مجموعة من المحاضرات قام مالك بن نبي بالقاءها في اماكن متنوعة في اواخر خمسينات القرن الماضي وبداية ستيناته، جمعها في كتابيه "حديث في البناء الجديد " و " تأملات في المجتمع العربي " وُفِقَ الناشر بجمعها معاً في الكتاب الذي بين ايدينا وباعادته لترتيب المحاضرات وفقا للمواضيع وليس التسلسل الزمني .
عن الصعوبات التي تواجه المجتمعات والمسوغات التي تقود الى فعاليتها والقيم المتحكمة في تطورها تركزت المحاضرات الاولى ، فقدم بن نبي لافكاره في علم الاجتماع محاولا رسم خريطة طريق لبناء الفرد والمجتمع للالتحاق بركب الحضارة .
للمجتمع الاسلامي أفرد بن نبي مساحة كبيرة فناقش الديمقراطية من منظور اسلامي ودوافع سطوع الحضارة الاسلامية والاسباب التي أدت الى افولها وكيفية خلق المقومات والمسوغات التي باستطاعتها ان تعيدها للسطوع ، ويلاحظ تغلب العاطفةعلى طرحه الخاص بالعالم الاسلامي ، فعازهُ الاعتدال وفقد مقدرته التحليلية التي ميزت المحاضرات الاولى فاصبح يأخذ بالعموميات ويطرح افكاره بناءا على تصورات جاهزة دون ان يعيدها الى الاساس التي انبثقت منه ومن امثلة ذلك اعتباره البلاد الاسلامية في الوقت الحاضر كيانا واحدا على الرغم من كل التباين في الظروف والاختلاف في المذاهب مع ادراكي ان خلفية نقاشه اجتماعية وليست دينية ولكنها تميزت بسطحيتها وعدم ملامستها للواقع وتناقضها مع طرحه العلمي والواقعي عند حديثه عن البشرية بشكل عام وتلك أمارة تغلب العاطفة .
هناك الكثير من البديهيات في افكار بن نبي ولكنه يحسن صياغتها في قالب يُطفي عليها عمقا غير مصطنع يجعلها قابلة للنقاش بجدية ومدخلا مناسبا لأفكار اكثر ثراءاَ .
يتميز بن نبي عند ضربه للامثلة الاجتماعية اثناء حديثه فتكون مناسبة وفي مكانها على العكس من الامثلة التاريخية والعلمية التي تشعر انها لزوم ما لا يلزم .
هناك تكرار للافكار في محاضرتي نهضة المجتمع العربي فكان الاحرى بالناشر دمجهما معا او الاكتفاء بواحدة منهما .
ان يكون مفكر كبير بحجم مالك بن نبي ضمن زمرة المخدوعين بمشروع نهضة نظام شمولي كنظام جمال عبد الناصر فلا ملامة على البسطاء اذن .
في المجمل الكتاب مفيد وجيد ويستحق القراءة .