كم هي غريبة ذاكرة الإنسان! فقد تخدعه إحياناً إما بالنسيان أو بتقديمها معلومات خاطئة، لا أعرف شيئاً عن السنة التي عشتها على تلك الجزيرة ولكنني متأكد بأن الروح الإنسانية يمكن ان تلتقي مع الطبيعة الحيوانية في كائن واحد، ليس حيواناً ولا إنسان، بل هو خليط بين الاثنين، مستمداً مظهره من الطبيعة فـ كل شيء في هذا الوجود يستمد طابعه من المظهر العام للبيئة المحيطة به.
يقول الناس إن الرعب مرض، وأقول أنا أن الرعب الحقيقي هو أن انظر حولي إلى غيري من البشر، وأسير بينهم في خوف.
أرى وجوها متحمسة وبراقة، وأخرى شاحبة أو خطرة، وغيرها مضطربة أو مخادعة؛ لا يتمتع أي منها بهدوء الروح القويمة. أشعر كما لو أن الحيوان كان يخرج من داخلهم، وأن الانحطاط الذي شهده سكان جزيرة مورو سيحدث ثانية على نطاق أوسع. أعلم أن ذلك وهم، وأن من ً يبدون أمامي رجالا ونساء هم في الواقع رجال ونساء بالفعل، وسيظلون كذلك إلى الأبد، مخلوقات عاقلة تماما مليئة بالرغبات البشرية والبؤس البسيط، لا تتحكم فيها الغريزةً أو قانون وهمي؛ مخلوقات مختلفة تماما عن البشر الحيوانات. لكنني كنت أنفر منهم ومن نظراتهم الفضولية وتساؤلاتهم ومساعدتهم، وتمنيت أن أبتعد عنهم وأعيش وحيداً.
وجدت السلام أخيراً في العزلة وتأمل النجوم فكان ثمة شعور بالأمان والسلام اللانهائي في الأجرام المتلألئة في السماء، وإن كنت لا أعرف السبب وراء هذا الشعور أو كيفية وجوده. أعتقد أن ما يسمو فوق الطبيعة الحيوانية بداخلنا لا يجد السلوى والأمل إلا في ظل القوانين الأبدية الشاملة للمادة، وليس في الهموم والذنوب والمشكلات اليومية التي يعيشها البشر.