الأيام المبرورة في البقاع المقدسة
تأليف
محمد لطفي جمعة
(تأليف)
«الأيام المبرورة في البقاع المقدسة» هو كتاب في أدب الرحلات، يستعرض فيه الكاتب الكبير محمد لطفي جمعة رحلته إلى الأراضي الحجازية التي قصدها بغرض تأدية شعائر الحج وزيارة المدينة المنورة، وذلك في أسلوب شائق وممتع. وقد وصف المؤلف رحلته منذ وصوله إلى مكة المكرمة، ودوّن خواطره وانفعالاته النفسية، وتأملاته العقلية عند كل بقعة من البقاع التي مر بها، وعند كل شعيرة من الشعائر التي أداها في هذه الرحلة؛ ولهذه الرحلة ما يميزها عن غيرها من الرحلات التي دوّن أصحابها انطباعاتهم فيها عن هذا المكان وذاك الزمان، وهو لقاء لطفي جمعة بالملك عبد العزيز ونائبه الأمير فيصل الذي أصبح فيما بعد ملكًا للسعودية، وحضوره في ضيافتهما، وتدوينه لما دار في هذا اللقاء.
إن هذا الكتاب -برغم لغته الأدبية الرفيعة- لا يمكن حصره في إطار أدبي مقصور على البعد الوجداني والانطباع الذاتي للمؤلف، ولكنه أيضًا يعد مصدرًا من المصادر التاريخية الهامة التي تتناول فترة من حكم الملك عبد العزيز للسعودية.
منذ فجر التاريخ حاول المؤرخون والمفكرون أن يعللوا مظاهر حياة الشعوب بعلاقتها بالبيئة الطبيعية التى يعيشون فيها، معتقدين وجازمين بأن لطبيعة الأرض تأثيرا في تكوين الشعوب كتأثيرها في تكوين النبات والحيوان. إذا حاولت تطبيق هذه القواعد التى تشبعت بها النفس على بلاد العرب بل على تلك الشقة من الجزيرة العربية التى تسمى بالحجاز تدهش من صحة النظرية. هذا هو سطح أرض الحجاز وما فيه من جبال وأودية وساحل واحد وما فيه من نجود وقفار وبرار وليس فيه نهر واحد، وهذه طبيعة الجو قيظ واعتدال ومطر قليل وبرد شديد في الصحراء ولكنه لا يصل إلى درجة الجليد ولا يقتل السكان إلا إذا كانوا عراة حفاة جائعين، أما موارد الأرض الزراعية فمحدودة ومعروفة في بعض البقاع التى أدركتها عناية لله بشيء من الخصوبة. وأما الموارد المعدنية فلم نسمع بها إلا أخيرا ففيها بعض الزيت وبعض الذهب ولكن لا أثر للحديد أو الفحم أو البرونز أو النحاس، وقد تكون تلك الجبال الشامخة أو الوديان الفسيحة مليئة بها ولكن شيئا من هذا لم يظهر ولم يقل به لفيف كبير من السائحين الإفرنج الذين ساحوا في هذه البلاد.