المرأة العسراء : العزلة كحل نهائي .
إن الروايات القصيرة تحمل صبغة خاصة ، لغة مميزة ، سهلة و أقرب للحلم . لا غرابة أن يُسحر بها الكثيرين في العالم على اعتبار أنها وعاء جديد ، لأدب مدهش . كثيرة هي العناوين البارزة لهذا النوع الأدبي النادر نسبياًً : الشيخ و البحر لهمنغواي – الموت في فينسيا لتوماس مان – من أعاد دورتين لإسماعيل كادريه – الحيوان المحتضر لفليب روث – خيالات ضوء القمر لبانانا يوشيموتو – منزل الجميلات النائمات ليوسوناري كواباتا– سيلفيا لروائي الأمريكي ليوناردو مايكلز و بين يدي الآن رواية صغيرة أخرى بعنوان المرأة العسراء لبيتر هاندكه .
سنة 1990 في ترجمة من دار الآداب قامت بها ماري طوق – ظهرت الرواية في قالب رائع و لغة تحمل سمة التكثيف و المباشرة . الكاتب لا يدعي بأنه يحمل فكراً فلسفياً ، الرواية واضحة ، ما تهدف إليه هي شرح حالة إمرأة تقرر بشكل مفاجيء التخلي عن زوجها . تطلب منه أن يخرج من حياتها . الزوج بدوره يشعر بوحدة قاتلة ، لابد بأنه سافر لتخلص من عبأ البقاء بقربهما . و هناك حيث عمله في فلندا داخل احدى الفنادق الباردة ، فيما هو لا يستطيع أن يتبادل كلمة واحدة مع أي فلندي ، هناك ينسحق تحت وحدة قاسية ، برد يجتاح روحه . و يعرف بأنه من دون زوجته و ولده ، لا يساوي شيئاً .
زوجته في المقابل عاشت لأيام في وحدتها ، فشعرت بفداحة العيش بجانب شخص ما . فتقرر أن تعيش مع ابنها المولع بفرقعات الشمبانيا التي تعني السهر ليلاً . يتكلفان بعض الوقت معاً للتذكر بعض اللحظات الحميمية .
أحياناً تسكن الزوجة و التي تظهر في رواية كثيراً تحت اسم – إمرأة
في احدى جلساتها تستمع إلى أغنية بعنوان – المرأة العسراء تنتهي بكلمة مثل – لأنني هناك سأراك وحيدة
بين آلاف الآخرين
و سترينني أنا بين آلاف الآخرين
و سيذهب أخيراً واحدنا لملاقاة الآخر .
كل من يظهر في الرواية يعاني وحدة بالغة . يكتم في نفسه ذكريات صغيرة كأنه يقتات عليها في لحظات الوحدة . كل منهم يعاني وحدته لسبب ما معهم بالنسبة له . حتى لتشعر بأن الوحدة يصنعها المرء صناعة لحماية ذاته و صيانة روحه من العطب .
المرأة العسراء رواية نادرة – ظهرت بترجمة أنيقة أنهاها كاتبها في شتاء باريسي من عام 1976 .
و جدت أسلوب تفكير بعض أفراد عائلتي ضمن الكتاب . الوحدة أم قد يكون معالجاً بشكل مثير ، كنوع من تنقية العلاقات مع الخارج