مجددا القسوة التي تترك الحرب ندوبها في نفس من عاصرها والتي تمثلت في "كلاوس" ، والحنين الذي لا ينضب ، ذلك الحنين المغرق في الوجع والذي تمثل في نصفه الثاني "لوكاس" حيث عاد إلى بلده بعد أكثر من أربعين عاما بحثا عن أخيه الذي قابله بالنكران والجحود .
شخصيتا البطلين مركبة .. صعبة .. لكن لدى الكاتبة القدرة على صياغتها بشكل سلس بحيث لا يصعب على القارئ تقبل وجودها بل والتعاطف معها .. تعاطف مع الطفل "كلاوس" الذي لم يستطع انتشال نفسه بسهولة من شعوره بالحنين لأخيه .. الحنين الذي تحجّر مع الزمن وتحول لجحود ، ومع توأمه "لوكاس" المشاكس في طفولته والذي سكنه بعض الشر لفترة قبل أن يلين مع الزمن ليعود باحثاً عن أخيه.
في بداية قراءتي للرواية شعرت بشيء من الخيبة ، حينما رأيت الجزء الأول "الدفتر الكبير" يتداعى أمامي بعدما تعاطفت مع أبطاله وجدانيا و التمست العذر لهم رغم البشاعة التي ملأت الحرب بها نفوسهم ، لتقول الروائية على لسان أحد أبطالها أن ما رُوِي هناك لم يكن سوى كذبة .. شيء من خيال ذلك الصغير الذي كبر!
ثم بعد ذلك بقليل تداعى ذلك الشعور حينما استقامت هذه الرواية على أحداث جعلتني أتغاضى عن ذلك و أعيد لرواية "الدفتر الكبير" بعضا مما خسرته لكنها لم تعده كله!
لا أنكر أن الرواية أعجبتني و ملأتني بالكثير من المشاعر ، لكن كنت أفضل لو كانت رواية قائمة بذاتها، دون أن تهدم شيئا من ذلك الأثر الذي تركته رواية "الدفتر الكبير".