في رأيي أن ما يُقال عن البعث هنا يمكن أن يُقال أيضاً عن الاتجاهات الفكرية والتيارات السياسية الأخرى فتجربة الشيوعيين في العراق لا تقل مأساوية ودماء عنها في العراق، وليس في هذا تبرئة للبعث أو تزكية له بل إشراكاً لغيره في هذا الحكم.
أهمل حازم صاغية الهوامش في كتابه ملتمساً ـ بزعمه ـ التخفيف على نص الكتاب وقارئه لكنه أوقع قارئه في حيرة وارتباك لأنه يورد أخباراً مشكوكاً فيها ومن ذلك ما يذكره عن إشراك صدام لابنه عدي وهو لا يزال طفلاً في قتل بعض المعارضين، وأيضاً حادثة وقوف حسين كامل أمام قبر الحسين ومخاطبته إياه أنا حسين وأنت حسين فلنر الآن من الأقوى، وهذان النصان العجيبان لم يسبق لي أن قرأتهما وأظن صاغية قد نقلهما من بعض كتب الجماعات الشيعية التي لا تتورع عن الكذب تقية وسياسة.
الحقيقة هي أن أقرب الناس إلى صدام هم أكثر من عانوا من بطشه وانتقامه، فقليلون هم أولئك الذين سلموا من أذاه وساديته.
الطائفية في العراق داء لا يسلم منه عراقي سنياً كان أو شيعياً مثقفاً أو عامياً فحتى الشيوعيين يتم فرزهم على أساس طائفي ويقدمون أنفسهم على هذا الاعتبار والذي تغير بعد أفول البعث أن الشيعة باتوا أكثر افتخاراً بانتمائهم من أشقائهم السنة.
ـ ما كتبه البعثيون الشيعة عن سيرة البعث فيه أبعاد طائفية لا يمكن أن تخطئها العين ومن ذلك ما كتبه الفكيكي وجواد هاشم.
ـ تأملوا في هذا النص الذي صاغه صاغية في كتابه ثم اقرؤوا تعليقي عليه:"الأمر لم يكن انعطافاً فحَبَل السبعينات الحداثية بالتسعينات العشائرية كان مسألة وقت تعرّض لشيء من التأجيل. ذاك أن البعث، وإن أعاد إنشاء المجتمع العراقي بخطة تنمية باهظة، ضوت ملحمته تلك أسباب انفجارها اللاحق. ففي رحمها ثوت ملحمة مضادة لها، أشد هيولية منها، اسمهما: تفكيك الوطن العراقي ذرات لا تني تتشظى"
لا أعترض على استخدامه هذه الألفاظ الفصيحة والاشتقاقات الفريدة لكن حشده إياها في هذا النص القصير أضعف أسلوب الكاتب، وقد كنت أجد في كتاب صاغية عسراً في الأسلوب وكنتُ أرده إلى ضعف أدواتي لكن بعد قراءتي لهذا النص أدرك أن العيب في الكاتب لا القارئ، ولعل الذي يحمل صاغيه على إثقال أسلوبه بتمحل هذه الألفاظ هو الزهو على قارئه وإشعاره من طرف خفي أنه ـ كما يقول العوام عادة ـ كاتب كبير لأنه يقول كلاماً أكبر من أن يُفهم.
ـلم يضف لي كتاب صاغية أي شيء لم أقرؤه في كتابات العراقيين الذين أرخوا للعراق والبعث لقد زادتني القراءة في هذا الكتاب يقيناً بأن أهل مكة أدرى بشعابها وأن الباحث في تاريخ البلدان في فترة تاريخية ما مهما توفر على أدوات البحث العلمي في جمع المادة وفهرستها وتحليلها والحكم عليها فإنه يعوزه شيء واحد لا يحوزه إلا أهل هذه البلاد وهو المعايشة، وهذا في رأيي ما ينقص صاغية بل ما ينقص كثيرين من المؤرخين العرب في كتاباتهم عن شؤون غيرهم.