لحياة الكاتب فيما يكتب نصيب، فتلك القرية النائية الهادية التي ساقته الأقدار لها ليعمل فيها طبيبا في بداية مشوراه انعكست وبقوة على روايته الأولى "مذكرات طبيب شاب" التي كانت مصافحتي الأولى لبولغاكوف الذي يقال أنه لم ينل حظه في حياته أولاً: لعيشه وسط نظام يقمع المثقفين والأدباء وأخيراً: لأنه من زمرة أولئك المؤلفين الذين نشرت لهم رواية بعد مماتهم صنعت لهم مجداً وشهره يتمنى كل شخص قرأ لهم وتحسَّر لحالهم أن يرى ردة فعلهم عندما يعلمون ماذا صنعت أقلامهم من ضجّة.
بعد القراءة الأولى والوحيدة لروايته الأولى "مذكرات طبيب شاب" يصدف أن تكون القراءة الثانية آخر أعماله، شتان ما بين تلك وهذه وإن أعجبتني الأولى أكثر من الأخيرة لكن هذا لا يعني عدم "احترامي" الكبير الذي فاجأني شخصياً لهذا العمل الذي أعترف أنه أثقل من الأول.
طوال مشوار القراءة لسان حالي يقول:- "ميخائيل بولغاكوف" أي شيطان تلبّسك لتكتب هكذا رواية، أعترف أن هذه أول مرة في حياتي أصادف رواية لا أحب موضوعها ولكن أقرأها بطريقة أشبه بالحيادية لأن ذائقتي القرائية تعطلت وأصبحت خارج المعادلة. رواية أشبه بأولئك الأشخاص اللذين لا يجمعنا معهم شيء و"الكيمياء" معهم شبه معدومة ولكن ويالا العجب يفرضون احترامهم بقوة عجيبة.
عندما نسمع بعمل روائي يصنف بأنه من ضمن الروائع ونسمع آيات الإعجاب والتصفيق له من العديد من القراءة وتحين لحظ الحقيقة ونقرأ هذا العمل ونكتشف المفاجأة الكبيرة: ما الذي أعجبهم يا ترى؟ لماذا كل هذا التطبيل يا ناس؟!! ونعلن استغرابنا بقوة، فهذا أعتقد طبيعي ويحدث كثيراً. ولكن مع هذه الرواية الأمر مختلف لأنها أولا: لم تعجبني وأخيراً: لا أستغرب أبداً كل ذلك المدح والتطبيل وأيضاً أوافق وبقوة أن تكون ضمن روائع الأعمال الأدبية.
ماذا عن الرواية؟!! شيطان، سحر، قط يتكلم "شخصية ولا أروع" مدينة تتخبط وأشياء أخرى (هذا الخط الأول). بيلاطس البنطي وقصة إعدام المسيح واغتيال يهوذا وأشياء أخرى (هذا الخط الثاني). والمعلم ومارغريت هما من يربطان بين هاذين الخطين بطريقة غير مباشرة. لا أنكر أن موضوع الرواية لا يتفق مع ذائقتي بالإضافة للمعاناة مع الأسماء التي عشتها وأن النص بطبيعته نص صعب بقفزاته اللامعقولة التي بوجود السحر تصبح معقولة، ولا أكذب عليكم وأقول لكم فهمت الرواية بالعكس رواية غامضة والفهم نص نص، ولكن بالنهاية هي رواية متقنة، نصها نص روائي مسرحي سينمائي، كوميدي مأساوي خيالي، والمترجم "إبراهيم شكر" نجح في مهمته على أكمل وجه.
ماذا عن التقييم؟! قرار لا أخفيكم بأنه صعب، ولهذا سأختار الطريق الأسهل وأمتنع عن التقييم.
____
لمن يرغب في قراءة الرواية "نصيحة صغيرة على جنب": هي رواية تُقرأ بورقة وقلم لا لشيء سوى لتسجيل الأسماء وربطها بشخصياتها لأن الأسماء معقدة وتكاد تكون متشابهه...ولكم أن تتخيلوا "الهردميسة" التي عشتها لأني لم استعمل لا ورقة ولا قلم واتكلت على ذاكرتي التي بطبيعتها تحفظ الوجوه وتنسى الأسماء.