تنقسم معلومات الإنسان من وجهتها العامة إلى قسمين: حقائق خارجية وحقائق ذهنية.
ونعني بالخارجية ما يقابل كلمة (Objective) وهي كلمة توصف بها الحقائق التي تستفاد من ملاحظة الأشياء الخارجية والتي يمكن تمحيصها باستقراء هذه الأشياء وترتيبها وتجربتها. وتدخل في هذه الحقائق علوم الطبيعة على اختلافها من علم يبحث في الحيوان أو في النبات أو في الجماد، أو على الجملة كل ما يقيده الحس من المشاهدات التي يقوم عليها البرهان من استقراء ظواهر الكون، ولا بد للمشتغلين بتحصيل هذا النوع من الحقائق من دقة ملاحظة وملكة معودة أن تحصر الفكر في مراقبة هذه الأشياء ورد بعضها إلى بعض وأن تلتمس منها تفسير عللها والنواميس التي تؤثر فيها.
ونعني بالذهنية ما يقابل كلمة (Subjective) وهي كلمة تطلق لوصف الحقائق التي يقوم البرهان على صحتها من بديهة الإنسان ولا يتوقف العلم بأولياتها على المشاهدة والإستقراء. ومنها أصول الحقائق الرياضية أجمع وأصول المنطق والفلسفة الإلهية، ويلحق بها كل ما هو وجداني لدني من المعارف والفنون حتى الموسيقى، فإنها في سبحاتها العالية ما تختلف كثيرا عن كونها معاني موحاة وأريحية ملهمة.
ولهذا تتآخى فروع هذه الحقائق أحيانا وتتآلف العلوم التي تبحث فيها وتتقارب الملكات التي تكون في المشتغلين بها. فيكثر من يجمع بين الفلسفة والرياضة ولا يندر أن ترى من يجمع بينهما وبين الموسيقى معا. فالفارابي مثلا كان فيلسوفا رياضيا مبتكرا في الموسيقى، وفيثاغورس أقدم فلاسفة ما وراء الطبيعة عند اليونان كان يبنى فلسفة الكون كله على النسب الموسيقية بين الأعداد. وقد مر بمصر قبل أيام نابغة من أفذاذ الرياضة هو ألبرت أينشتاين صاحب فلسفة (النسبية) التي دهمت الناس ببدع في تعريف الوقت والفضاء يكفي أن نذكر منها أن الخط المستقيم قد لا يكون أقرب موصل بين نقطتين... وهو فيلسوف رياضي وموسيقار بارع في العزف على القيثار.
وليس يخفى الشبه القريب بين ملامح العظماء من الفلاسفة والرياضيين وملامح العظماء من نوابغ الموسيقيين. فقد تلتبس عليك صورهم حتى تكاد لا تميز بعضهم من بعض ولا سيما في نظرات العين وسعة الجبهة وارتفاعها. وما كان ذلك كما ترى إلا لاتصال ملكاتهم وغلبة الوجدان عليها جميعا.
مطالعات في الكتب والحياة
نبذة عن الكتاب
يرى العقاد أن الحياة نفسها عمل فني صاغته يد الفن الإلهي، وتحكمه الأصول الفنية ذاتها التي تحكم بيت الشعر واللحن الموسيقي وصورة الرسام، فالغاية القصوى لهذه الحياة هي الجمال والتحرر من القبح. وهذا الكتاب هو مجموعة من المقالات الأدبية غايتها إظهار لونٍ من الجمال نجده في آدابنا المكتوبة من أعمال نثرية وشعرية، وذلك من خلال تحليله لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة لأعلام كبار، كما يدرس العقاد الفلسفة الكامنة وراء هذه الأعمال محاولًا قراءة ما بين سطورها من أفكار مؤلفيها، ويناقش أيضًا مسألة تطرح كثيرًا وهي الهدف من الأدب، فيقرر أنه ليس للتسلية وتمضية الوقت، بل الغاية منه أن يوقظ المشاعر ويثري الخيال؛ فالأدب يحقق لنا بعض صور الحرية، حيث نحلق في سماوات المعاني العليا متحررين من ربقة الضرورات التي تفرضها علينا الحاجات الإنسانية.عن الطبعة
- نشر سنة 2013
- 425 صفحة
- [ردمك 13] 9789777195805
- مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب مجّانًا
153 مشاركة