هذه رواية متقنة بحق، الإتقان هو أكبر مزاياها.. وأكبر عيوبها كذلك.
إتقان في رسم الشخصيات بالكلمات وبالصور، شخصيات منحرفة ومشوهة ومريضة وملعونة، لا مكان لشخصية سوية هنا.
إتقان في صياغة علاقات متشابكة ومعقدة ومربكة، يمتزج فيها العشق بالمقت والغرام بالانتقام، يجافيها المنطق أحياناً، لكن متى كان المنطق معيارا ثابتاً لعلاقات البشر؟
إتقان في بناء عالم إجرامي دموي قاسي ملوث لا مجال فيه للنظافة ولا الرحمة ولا ضوابط أخلاقية له من أي نوع، تأثر الكاتب في بنائه بعوالم مستمدة من أفلام وروايات أجنبية، لكنه نجح في صبغه بصبغة محلية أضفت عليه أصالة ووقته من الاستسهال والاستنساخ.
إتقان في الحبكة وفي ضبط إيقاع الرواية، جنبها الملل وحافظ على أحداثها متلاحقة ومتصاعدة وغير متوقعة.
إتقان في استخدام لغة فصحى بليغة، وإن شابتها مفردات غريبة لا يمكنني الجزم بصواب استخدامها، وعامية معبرة تنم عن خبرة حياتية ثرية، كل في موضعه المناسب.
وإتقان في الوصف تحول إلى لعنة في الفصل القميء بالغ الطول بعنوان "المكعب" والذي تفنن فيه الكاتب في وصف التعذيب باستفاضة كريهة تقترب من السادية، بتفاصيل كابوسية نغصت عليّ استمتاعي بالرواية الذي كان قد بلغ ذروته في الفصل السابق عليه.
ويأتي الفصل الأخير من الرواية قصيراً محروما من الإتقان فقيراً في التفاصيل بخلاف جميع أجزائها السابقة، لتغلب عليه "الكروتة" ويشوبه الاستعجال بعض الشيء، ليستقر تقييمي النهائي للرواية عند ثلاثة نجوم.
يبقى المكسب الحقيقي من الرواية إكتشاف كاتب جديد موهوب ومبشر جداً ويستحق المتابعة بالتأكيد.