في الحياة من الأمور ما هي لشدّة سطحيتها عميقة، هذا التضاد الآسر هو ما يتقنه #ميلان_كونديرا جيداً. فأنت لن تتمكن من سبر فلسفة هذا الكونديرا ما لم ترتدي عينين قادرتين على ثقب سطحية النص الغضّة لتنزلقا داخل نفق العمق الفلسفي والذي لا نكاد نراه ولا نشعر به لشدة ما هو ملتصق بنا، عالق ببشريتنا الناتئة كبثور قبيحة تشوّه وجه الحياة الجميل.
.
هنا يجيء (ياروميل) ثمرة الحب الطائش لأب تنصّل من أبوته ما إن قذفه في رحم الأم التي لم تفتأ تجلده بسياط حنانها وتحيطه بسياج اهتمامها فتقتل روحه في حين كانت تحسب بأنها تسدي إليه صنيعاً لا يجدر به أن يواجهه بكل ذلك الامتقاع والتجهم.
.
كأن #ميلان_كونديرا عمد إلى إبراز نرجسية هذا الشاعر (ياروميل) بجعله العلم الوحيد في هذه الرواية وكل من حوله نكرات يُشير إليهم بالصفة التي يتصلون من خلالها بياروميل الذي نبذ الشعر حين بدأ يلمس رخاوته وهلاميته التي لم تجلب له صيتاً أو جاه، ووثب إلى الحقل السياسي بحثاً عن سنبلة يتشبث بها فيضيء ويسمو ويتألق.
.
في داخل كل منا (ياروميل) نحاول إخفاؤه بشتّى السبل، والهرب منه وتجاهله وحشره في أقصى زاوية معتمة داخل خزانة شهواتنا البشرية المقيتة.
.
عميقة جداً هذه الرواية، استمتعتُ بقراءتها وبلغة كونديرا الباذخة وشاعريته العذبة والترجمة التي جاءت ثوباً أنيقاً يضفي على جسد النص جمالاً وفتنة.
انتهى*
.