" على قدر الغاية تكون الطاقة ، وعلى قدر السفر تكون المؤنة ، ، وللنية فى الأمور سلطان كما قال العارفون ، إذا قدر للمرء أن يمشى ساعة ربما يدركه التعب ، لكن إذا أضمر النية على قطع مسافة مقدارها عشر سنوات فربما لا يشعر بالتعب قبل انقضاء سبع سنوات ، وإن الجسد يتكيف بما أضمرخ صاحبه وعزم عليه ، وعن ثقة وتجربة يؤكد أنه لا حد لذلك ! " .
أرهقتنى كثيراً ، لا أدرى سبب هذا الإرهاق باظبط ، أهو من اللغة الصعبة بعض الشئ ، أم بسبب العوالم التى يرسمها الكاتب حولك ، واختلاط الأزمنة ، وتداخل العصور ، عبر رحلة بدأها الكاتب من أبواب القاهرة يلبى السيد أحمد بن عبدالله نداء الهاتف الذى يأمره بالرحيل ، فيلحق بركب يجوب الصحراء والفيافى .
المتعة التى وجدتها فى هذه الرواية هو أن الكاتب استطاع أن ينقل لى إحساس كل شخص فى الرواية ، أكانى أنا الذى انطلقت ملبياً الهاتف ، وأنطلقت فى ركب الصحراء ، وجلست إلى الحضرموتى يلقننى نصائحه ، أو إلى التنيسى أو إلى الشيخ الكبير كبير القافلة أو الرجل العارف بالطيور ، كذا شعرت كأنى ذهبت معه إلى عذارى وشربت من بئرها ونظرت معه إلى الفسطاط ، وسيطرت على حالة الخوف والترقب التى سيطرت عليه من الغد وما ينتظره ، أو حالة الاضطراب الشديد التى أصابته عندما أمره الهاتف بالرحيل من عذارى ورحل وهو مرغم وترك زوجته وابنه .
ثم حالة التغير الرهيب التى طرأت عليه عندما وصل إلى مدينة الطير وبين عشية وضحاها صار ملكاً لها ، يأمر فيطاع ، ويزجر فيطاع لأمره أيضاً ، كل هذه المشاعر المضطربة التى نقلها إليك الكاتب استطاعت أن تخلق لك جواً من المتعة ، حيث لا يقدر على ذلك إلا كاتب ذو موهبة فريدة .
ثم تدخل فى حالة من الترقب مرة أخرى عندما يغادر أحمد بن عبدالله مدينة الطير ، ويجلس كل يوم على قهوة الصيادين ، ينتظر مغيب الشمس ، ويظل السؤال الاهم " لما كل تلك المشاعر المضطربة " ، ربما لأن السيد أحمد بن عبدالله ، عندم شرع فى مهمته كان بأمر هاتف غريب ، لا يدرى كنهه ، ولا يعرف مصدره ، وبالتالى كان طبيعى جدا ان يدخل من حين لآخر فى هذه المشاعر الغريبة .
لكن الراية انتهت بنهاية غامضة جداً ، كان هناك أسئلة لا زالت تدور فى رأسى ، ما مصدر هذا الهاتف ، وما هو هدفه من النداء ، ولماذا أحمد بن عبدالله بالذات دون غيره ، وما مصير مدينة الطير بعدما رحل عنها ، وما مصير عذارى وزوجته وابنه ، وما مصير مدينة العكاكيز ، كل هذه أسئلة ، انتهت الرواية ولم تجب عنها .
ويبقى السؤال الأهم .. ما هو مصير من لبى نداء الهاتف .. ما هو مصير السيد أحمد بن عبدالله ! ..