رغم تخوفي بدايةً من المراجعات السلبية لهذه الرواية والمبالغة في سلبيتها أحيانًا، إلا أنه وبشكل تدريجي، انتقلت بي هذه الرواية إلى عالم باريسي كامل شديد الواقعية، فاجتذبتني داخله لأعايش ثلاث شرائح مجتمعية متفاوتة المستوى: الأخلاقي والمادي، والطموحات. فيبرز هذا التفاوت حالة السعار المادي لمجتمع يعتبر السلطة والنفوذ هما مقياسيّ الشرف والعزة، فتتراجع الأخلاق بدورها أمام هذه الاعتبارات الغير عادلة، لكنها لا تزال تتمثل في شخصيات طيبة لكنها مقهورة تحارب كل هذه الظروف القاسية من أجل إيجاد مكان مناسب لها، فكان الأب جوريو، الذي وهب حياته وماله وحبّه الخالص لابنتين استعبدهما المال والمظاهر وبريقهما، فعذبتا أباهما حين كان يحتضر، بأنهما لم يأتيا حتى لتوديعه، فينال متعته الوحيدة من الحياة؛ رؤية ابنتيه.. حينها لم يقو الأب جوريو على إنكار حقيقة هاتين الابنتين كما أنكرها طيلة حياته، ففاض حسه المرهف بكل آلامه المدفونة في أعماق أعماقه، وانهارت قواه التي كانت تعيش على رؤية ابنتيه وسعادتهما. شخصية الأب جوريو، فيما قرأت، من أعظم الشخصيات التي تم رسمها بوضوح وبلا مغالاة رغم هذا الحب الجنوني الذي لم أسمع مثله من قبل. تعاطفت جدا مع الأب جوريو، لأني صدقت الشخصية.
أيضًا نحن مدينين لبلزاك بأسلوبه وواقعيته أن ألهم نجيب محفوظ، وجدت الكثير من التشابهات بين الرجلين، وأحيانًا بعض الجمل التي استخدمها نجيب محفوظ، لكن محفوظ وجد طريقه الخاص لأسلوبه وواقعيته.