عصام يوسف فى روايته الثانية يستمر فى نفس الخط الواقعى الذى تميز به فى ربع جرام، أبطال من لحم و دم وحوارات و مواقف واقعية مكتوبة بحبكة متقنة ، جهد واضح مبذول فى دراسة الموضوع يتجلى فى الإلمام بكل التفاصيل الدقيقة ، و تظل ميزة الكاتب هى عيبه فى نفس الوقت وهى أنه ليس أديبا بالممعنى المفهوم ،فهو أقرب إلى كاتب السيناريو الذى يملك قصة جيدة يقوم بسردها بطريقة شيقة و لكن بدون أسلوب أدبى مميز، فالبطل فى رواياته هو الموضوع نفسه ، و هو يختار مواضيع مهمة ويدرسها بعناية و يقدمها بشكل واقعى و جذاب و يهدف منها إلى توصيل رسالة معينة للقارىء ، و هو ما أرى أنه نجح فيه فى روايتيه ، و أنتظر تقديمهما فى أفلام سينيمائية -كما هو مفترض- و أتوقع لهما النجاح لإمتلاكهما كافة المقومات المطلوبة.
موضوع الرواية هنا هو ثنائية "good cop / bad cop" أو الشرطى الشريف و الشرطى الفاسد، حيث يتتبع الكاتب مسيرة إثنين من الضباط منذ إلتحاقهما بكلية الشرطة والمسار الذى يأخذه كلا منهما حتى تتقاطع مساراتهما لتحدث المواجهة الأزلية بين الخير و الشر.
المفارقة هنا تهدف إلى توضيح أن جهاز الشرطة كأى مجال آخر فيه الصالح و الطالح ، وهى حقيقة و لكننى أرى أن الكاتب كى يبرزها إختار الحل السهل وهو تقديم نموذجين متطرفين للغاية ، فأحدهما ملاك و الآخر شيطان ، و لكن الواقع ليس أبيض أو أسود فالبشر مزيج من الإثنبن و الأصعب هو تفديم النموذج الرمادى الذى يجمع بين الخير والشر ، من شاهدالفيلم الرائع "crash" -الحاصل على الأوسكار- سيتذكر شخصية الضابط التى أداها مات ديلون ببراعة حيث قدم الشخصية المركبة للضابط الذى يتحرش بإمرأة سوداء فى مشهد ، ثم فى مشهد آخر يكاد يفتديها بحياته لينقذها من الموت ، هذا التناقض الذى يحاول الفيلم بيان دوافعه -وليس تبريره- من خلال توضيح الخلفية المعقدة للشخصية.
موقف كاشف كهذا حدث فى مصر بعد الثورة ، حيث إنتشر فيديو لضباط يقومون بصفع و كهربة متهمين بالبلطجة مقبوض عليهم و مقيدين- كنوع من التسلية !! - و ثار جدل كبيرحيث إنقسم الناس بين مطالبين بمجاكمة الضباط عن فعلهم اللاإنسانى ، وبين مبررين للفعل بحجة خطورة المقبوض عليهم و بشاعة الجرم الذى إرتكبوه -وهو مالم يقنعنى بالمرة- ، بعد هذه الواقعة بفترة قصيرة إستشهد أحد الضباط الذين كانوا ظاهرين فى الفيديو أثناء مداهمة أحد الأوكار العصابية ، لتثير هذه الواقعة الحيرة فى نفسى، هل هذا الضابط بطل أم مجرم؟
و تظل الحكمة التى أدركتها من فيلم "crash" -الذى أنصح الجميع بمشاهدته- أن من العنصرية الحكم على البشر بناء على موقف واحد ، فجميعنا شخصيات مركبة فيها الخير و الشر، و الملائكة لا تسكن الأرض !!