تجربة ثانية أفضل كثيراً على مستوى الفكرة والأسلوب من البداية السخيفة مع ساراماجو في رواية الكهف التي جعلتني أتردد لفترة طويلة من تكرار محاولة القراءة له نظراً لمرارة التجربة التي كتبت رأيي فيها هنا بالتفصيل : ****
إلا أن الرواية التي كانت مبشرة جداً بالنسبة لي في بدايتها تحولت إلى خيبة أمل كبيرة بعد ذلك للأسباب التالية :
- فكرة إنقطاع الموت كانت تربة خصبة للغاية ، تمنيت أن يستغلها ساراماجو لمناقشة مفهوم الخلود الغامض بطبيعته، وتأثيره المحتمل على حياة البشر الفانين في الأساس، على نفسيتهم طريقة تفكيرهم وسلوكياتهم وعلاقاتهم وتطلعاتهم ونمط معيشتهم، وهو ما كان يستلزم إطالة فترة إنقطاع الموت لعقد من السنين مثلاً بدلاً من سبعة أشهر لبيان أثر هذا المتغير الجوهري على حياة البشر من جميع هذه الجوانب، إلا أنه بدلاً من ذلك إستغرق في مناقشة التفاصيل الكمية سهلة القياس والتصور للمسألة، كبطالة الحانوتية وتكدس المستشفيات ودور المسنين وخسارة شركات التأمين وذعر الكنيسة، وكل هذا لا يتطلب خيالا واسعاً أو ألمعيا بالضرورة، فمن اليسير تصوره دون جهد كبير.
- رغم إستغراق ساراماجو في إستعراض التفاصيل الكمية للمسألة إلا أنه أغفل أحد أهم جوانبها وهو الجانب الإقتصادي، من حيث تأثير تكاثر البشر اللانهائي في ظل محدودية الموارد على أنماط الاستهلاك والصراع والتقسيمات الطبقية المتوقعة.
- هنالك ثغرة تقنية في الحبكة ألا وهي إفتراض عدم قدرة البشر على إنهاء حياتهم بالانتحار، أو حياة غيرهم بالقتل، أو إنتهاء حياتهم نتيجة حوادث (سير، حريق، إنهيارات.. إلخ) فلم أقتنع بالمرة بفكرة إستحالة حدوث ما سبق التي أوردها ضمنيا دون تفصيل، وإلا فكان عليه أن يشرح لنا كيف يمكن أن تستمر حياة بشرى دون رأس مثلاً.
- المنحى الذي إتخذته القصة في نصفها الثاني لم يرق لي بالمرة، وخاصة بعد تجسيد شخصية السيدة موت وإنحسار الأحداث في معضلتها مع عازف الموسيقى العصي على الموت دون سبب مفهوم، والذي أرى أنه ضيق مجال الفكرة جداً بعد رحابتها الأولية.
كل هذه النقاط نغصت إستمتاعي بالرواية وخيبت أملي فيها كثيراً، ليستقر تقييمي النهائي لها على نجمتين لتميز الفكرة التي أفسدتها المعالجة للأسف.