عندما قرأت باولا لإيزابيل إلليندي أعجبني فيها فكرة أول ورشة كتابة روائية عهد إلى إيزابيل بها وكانت هي في قمة الاضطراب وهي تخوض الإشراف على مثل تلك التجربة وهي بلا خبرة كافية فكانت فكرة باولا ابنتها التي أنقذتها وخلقت النجاح العارم لتلك الورشة وهي أن يكون موضوع الورشة هو كتابة أسوأ رواية... تقول باولا أن تلك الورشة أنتجت أعمالًا متميزة كان لها صداها ووجودها.. لمجرد أنها حررت الكاتب من ضغط التركيز على الكتابة الأحسن أو الأرقى والخوف من الفشل أو سخرية العالم من كتابته.. أظن أن نائل الطوخي فعل ذلك.. طرح كل الأفكار وتقنيات الكتابة والنقد ومحاضرات الروائيات الناجحة جانبًا ونسي الأحسن والأسوأ والمهم والأهم والأولويات والكماليات والعبث والتجريبية والواقعية وكل شيء وكتب... نعم نسي كل شيء إلا التاريخ.. التاريخ الموازي.. أو التاريخ الحقيقي لكل الضباب الذي نعيش أو الذي يقودنا إليه بحماس واقعنا الحالي بثبات منقطع النظير...كتب نائل اختلاط الحابل بالنابل وتشابك كل القيم الجيدة والسيئة.. بل ذوبانها في بعضها البعض لدرجة صنع هوية جديدة تمامًا مختلفة عن تلك الهويات والكلمات الرنانة التي درسناها في الكتب ولقننا إياها الفن الهادف وغير الهادف عبر كل الوسائل الممكنة من نشرة الأخبار حتى أغاني المهرجانات...هوية لا تعترف بغير المصلحة وبغير تفصيل وتطويع رؤية الأحداث كما نحب نحن أن نراها لا كحقيقتها.. حتى الحقيقة صارت في الرواية أو فى منظومة نائل وجهة نظر.. يسير بنا نائل في أو عبر خمسين عامًا.. ويختار الإسكندرية تحديدًا مسرحًا لحكايته..ربما لأنهأشيع عنها أنها دائمًا بادئة الثورات.. ومفجرة المعارضة ومحاولة الخروج من الشرانق.. الإسكندرية في الرواية أصبحت هي الدولة.. هي العالم.. عالم الصراعات التي تتكرر نسخًا كاربونية من بعضها البعض.. الدماء التي تسيل لنفس الأسباب.. المبررات المبنية على بعضها البعض لفرض السيادة وربما التقسيم..نعم تقسيم الدولة أو الوطن والناس والهويات والانتماءات إذا اقتضى الأمر لمصلحة الحكام.. لأهواء السلطة أو السلطات التي لاترى في الآخرين إلا أدوات مجرد أدوات للاستمرارية وإحكام القبضة..الدين .. المال.. الجنس.. المخدرات... الفن.. الثقافة... السياسة .. كلها أدوات عبثية ممتزجة أو ربما متماهية يصعب في زمننا هذا فصلها عن بعضها البعض.. لكن من يستخدمونها أنفسهم لا يرون أحيانًا أنها أدوات بل هي من وجهة نظرهم الأيدي التي تنحت حياتهم والتي بدونها لاوجود للحياة... نرى ذلك في إنجي مثلا التي تحفظ القرآن وتعلم منة اللغات وتفتتح مكتبًا للكومبيوتر وفوقه شقة لممارسة الدعارة وتحب حد الجنون وتكره حد القتل..لعلي أو الشيخ علي القاتل الشيخ تاجر المخدرات والبغاء وحاكم الكرنتينا مع سيدته الأولى إنجي.. بالتوازي مع سوسو صنيعته حاكم الكربنتينا مع سيدته الأولى منة الله..لكن لماذا علي وإنجي بالذات؟؟؟ لماذا بدأت كل الحكاية بعلي وإنجي ... بطلي رواية رد قلبي... أو هكذا أوحت لي الأسماء التي استخدمت لتنقلنا من زمن لزمن ومن تاريخ لتاريخ... ومن يدري ربما يكون التاريخ هو التاريخ ونحن الذين لم نلتفت جيدًا... شخصية حمادة ابن على وإنجي ... الفنان الحالم الشبيه بفكرة (هتلر)... ألم يكن هتلر فنانًا رائعا؟؟؟... حمادة هو صورة الفن الوحيدة في الرواية وهي صورة تناسب عصره جدًا... الجنون والفصام والحياة المترعة بالزلازل والمنتهية بانفجار... نعم الانفجار الذي لا يبقى ولايذر والذي يتكرر مرتين مرة يقضي على رجال السلطة ومرة على نسائها ليتنفس الناس أو العبيد مايشبه الحرية... غير أن الرواية عبر رحلة الخمسين عامًا لم تقدم للقاريء أي إحساس بأي اختلاف... نعم التاريخ يتكرر لكن رتوشه ... تغييراته.... أدواته الثانوية ربما تختلف... لم أشعر أبدًا أني في اربعينات أو خمسينات أو ستينات القرن الحادي والعشرين.. حتى الاستشهاد بالأعمال الفنية أو التمثيليات والأفلام يأتي مصحوبًا بجملة( من الأفلام القديمة) ولا أفهم أبدًا استشهاد جيل ستينات القرن الحادي والعشرين بأعمال عام ٢٠٠٠ مثلًا... أيضًا تكرار مشاهد القتل والصراع ونمطيتهما يصيب القاريء أحيانًا بما يشبه الملل ... حتى وإن كان مقصودًا... تسمية الرواية بنساء الكرنتينا أظنه لسبب تجاري... فدائمًا ذكر النساء في عناوين الروايات جاذب... صحيح أن الجزء الأخير من الرواية حاول الإشارة إلى من قيل أنهن حكمن العالم أو الإسكندرية بالذات لكن الرواية ككل تقول غير ذلك.. إذ أن كل شيء حتى نوع البشر في الرواية أحيانا يتماهى... ألم يكن حمادة مزيجًا من الأنوثة والرجولة أو من علي وإنجي بجنونهما وحكمتهما مع لمسة الفن التي سكنته حسب وصف الرواية؟... ألم تكن يارا ولارا أيضًا فيهما ذكورة ما....؟... أرى أيضًا أن الرواية مالت إلى التشرنق في أشخاصها رغم أنها من المفروض أنها مرتبطة بشكل ما بما يحدث في العالم ولم يأت ذكر العالم إلا قليلا وعلى استحياء في قصة نفق شنغهاي والتحالف الأمريكي الصيني ثم التحدي الصيني وهكذا... لم أشعر بأي إعلام من أي نوع يلعب أي دور في الرواية إلا بشكل هامشي غير مقنع وبلاحضور حقيقي.. ولم أر للعلم أو للمثقفين أي ظل لكني ربما أحسست أن هذا التهميش الأخير مقصود حتى عندما تم الطمس العمد لخلفية إنجي الثقافية وطبقتها وتحولها لما أصبحت عليه فهي الشخصية الوحيدة ربما في الرواية التي كان من الممكن أن يصبح لها حضور ثقافي مؤثر غير أنه لم يتعد تعليم اللغات .والكومبيوتر..أضيف أن من ضمن مشاكل الرواية أنها تحكي لك دون أن تريك.. معظم الوقت أنت لا ترى المكان جيدًا ولا الأشخاص.. معظم الوقت أنت تستخدم أذنك مع الحرف أكثر من عينيك... الرواية هنا لاتسحبك إلى الداخل.. لاتجعلك شريكًا.. هي فقط تتلو عليك ماتيسر...
. في المجمل الرواية تقول الكثير وتحتاج لأكثر من قراءة.. فهي مختلفة وذات رؤى تستحق البحث والحوار...