أتذكر قبل أكثر من خمس سنوات كمية الرسائل البريدية التي كانت تصلني على بريدي الإلكتروني كدعوات للإضافة،وكانت في مجملها دعوات تتعلق بموقع يدعى"الفيسبوك"ولم اكن أعرف عنه الكثير،كل ما عرفته آنذاك بأنه معني بالمحادثات،وما إستغربته بأن عدد صديقاتي اللاتي وجهن لي الدعوات لم تكن علاقتهن وطيدة بالإنترنت ومع ذلك سجلن في ذلك الموقع،كنت أفتح رسائل الدعوات وأحذفها لإني لم أكن أنوي التسجيل في هذا الموقع لعدم إهتمامي وأيضا لضيق حيز الوقت عندي آنذاك و عدم معرفتي بما يمكن أن أقوله،ومرت الأيام وأصبح أغلب من أعرفهم يملكون حساباً فيسبوكياً وصارت تطبيقات هذا الموقع على هواتفهم الذكية،وفي اللقاءات كانت تشغلهم هواتفهم وحساباتهم،فحواراتهم تكون إلكترونية عن طريق الهاتف و الفيسبوك وهم يجالسون بعضهم في المكان نفسه ،وفي وسط هذه الحوارات يحدث أن يصاب أحد الحضور بنوبة فرح شديد لإن شخص ما لم يلتق به أعجب بما كتبه أو بصورة وضعها،وإستمريت في عدم رغبتي في إنشاء حساب في الفيسبوك ولكني أحببت فكرة أن تكون لي مدونة أكتب فيها كيفما أريد وفي الوقت الذي أريد،وفعلت ذلك وأيضا فعلت حسابا في تويتر الذي وجدته أقرب لي من الفيس بوك فصحت وجهة نظر أخي الذي أنشأ لي الحساب ،وقال لي بأنه سيروق لي مع إني لم أكن أعرف عن تويتر سوى شعار الطائر الأزرق وبأن بإمكاني فيه أن أتتبع الأخبار،لم يخطر على بالي بأني سأتكلم فيه وبأن هناك من سيقرأ ما سأكتبه ،وفي أول فترة فيه كنت متابعة أكثر من متحدثة،فكانت فترة هادئة ومن ثم تفاعلت ولكن لاحقا تبين بان لي بأن تويتر يظل موقعا للتواصل كما في الفيسبوك وغيره،وبالتأكيد ستكون هناك تبعات مشتركة لإنشاء الحساب سواء كانت إيجابية أو سلبية،فمن الإيجايبات التي رأيتها :وجود حسابات هادفة فيه و وجود أصحاب عقول راقية وأقلام مهذبة فيه ،ومن السلبيات وجود حسابات تخالف وصفي الأول،وهناك نقطة هي بين الإيجاب والسلب حسب رؤيتي،وهي أني صرت أستشعر الأحداث التي يمر بها غيري و هذا أمر إيجابي ولكن وصل بي التأثر في بعض الفترات لدرجة أني أحسست فيها بأن النظر إلى الحساب لم يعد يستهويني بل ويحزنني،فظلال الأحزان التي في تغريدات النكبات والأزمات وصلت في بعض الأحيان إلى إنكعاس هذه الظلال على قلبي ،فيغدو قلبي متدثراً بالحزن ،وبعد فترة أجدني أتابع الأحداث من جديد وكأني لم أتوقف بل وأنتظر الوفير من الأمل!
كتاب أو كتيب (العيش كصورة-كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة) للكاتب طوني صغبيني،يناقش موضوع التواصل عن طريق الفيسبوك،وأرى بأن هذا النقاش يمكن قياسه على مواقع التواصل الإجتماعي الأخرى،فهذه المواقع وإن إختلفت من ناحية الشكل أو التقنية أو الإمتيازات التطبيقية ولكنها تحمل نفس السمات الرئيسة إجتماعيا نوعا ما،وجاء إختيار الكاتب لهذا الموقع بالتحديدا موفقا حيث أن هذا الموقع كان رائدا ولا يزال حتى حسب آخر إحصائية الأول،وعدد المشتركين فيه يفوق عدد سكان دول كثيرة،والكاتب أيضا كانت تجربته الشخصية وأيضا العملية مع هذا الموقع مما يرفع نسبة توجه الأنظار إلى كلماته وهو يحكي عن تجربته أكثر،وهو جاء ببعض الدراسات العلمية ولكنه لم يستطع أن يكثر منها لإن الأبحاث حول مواقع التواصل الإجتماعي قليلة بحكم حداثتها،فتأثيراتها الإيجابية والسلبية لا زالت تدرس لتعرف أكثر،والكتاب عبارة عن مقالات تحمل تساؤلات مع محاولات إجابة عنها من قبل الكاتب،وأول تساؤل كان كالتالي:"facebook هل يمكننا العيش من دونه؟" ،وهو التساؤل الاساسي في الكتاب،وبدأ إجابته عن هذا السؤال ناقلا تعريف الفيسبوك لنفسه،ومن ثم إنطلق في التعبير عن رأيه عن ماهية الفيسبوك،وبعد ذلك أخذ ينقل تجربته في الفيسبوك وكيف بدأ وما هي الأحاسيس التي أحسها و التغيرات التي طرأت على حياته بعد دخوله للفيسبوك،وهناك تغييرات شعر بها بسرعة وتغييرات أخذت وقتها في الظهور له،هو حاول تعديد الجوانب المضيئة للفيسبوك من معادوة الإتصال بأناس فقد أثرهم ،و بأنه إحتاجه في عمله وأيضا بشكل شخصي ،وأ أخبرنا عن الجوانب المعتمة كإفتقاده للتواصل الفعلي مع من يعرفهم،وباح لنا عن الفترة التي أخذ فيها إجازة من الفيسبوك ومن ثم قراره بتركه نهائيا و تبعات هذا القرار،هو يسرد لنا ما حصل معه مع إنه لم يكن من الأشخاص الذين تملك منهم الإدمان على الفيسبوك،فهو وصف البعد الذي يعيش فيه من أدمنوا الفيسبوك عن واقعهم،وكيف أنهم كونوا عالما إفتراضيا فضلوه على عالمهم الحقيقي،وكيف أن منهم من كون له شخصية تختلف عن شخصيته الفعلية بهدف أن ينال إهتمام الآخرين،فالأرقام و الإعجاب و التعليقات و التفاعلات تكون هي المطلب الهام لمدمني الفيسبوك،والبعض منهم حتى عندما يحاول أن يكون نفسه فإنه يكتفي بالجانب الذي قد يجذب الآخرين،وهذا الأمر قد يجر مدمني الفيسبوك لحب الذات والهوس بمضاعفة عدد المهتمين بحساباتهم الفيسبوكية،فأعينهم تكون مركزة على الشاشة التي أمامهم مما قد يؤدي إلى حالة إنزواء منهم عن ذويهم وصداقاتهم الواقعية وربما أيضا التقصير في دراستهم وأعمالهم،فما على الشاشة هو أهم بالنسبة لهم ،وأحيانا تتشكل صراعات بينهم وبين أنفسهم حول الفيسبوك أو كما ذكر الكاتب بينهم و بين الفيسبوك،وأرفق الكاتب نماذج من بعض الدراسات عن دور الفيسبوك في تقليل التركيز و تشتت الإنتباه،وعن قابليته للإدمان،وعن أعراض تلاشي الإستمتاع بالحياة لمن أدمنوا عليه،والكاتب طلب من القراء وتحديدا ممن يستخدمون الفيسبوك منهم أن يمتنعوا عنه لفترة ليعرفوا مدى تعلقهم به أو إدمانهم عليه،وهو قام بذلك ،وكان البعض من معارفه يسألونه عن تغيبه مع إنهم كانوا يرونه على أرض الواقع،والسبب في ذلك لعدم تواجده في الفيسبوك،وأخذ يتساءل إذا كان وجوده في الفيسبوك يعني وجوده الحقيقي بالنسبة للآخرين فإذا لم يعد هناك يعني بالنسبة لهم بإنه غير موجود،وأتبع تساؤله بتعليق يقول فيه :"facebook is watching you"،فهو يكلمنا عن تزايد إحتمالية ضياع الخصوصية في الفيسبوك ،فالكثيرين من أصحاب الحسابات في الفيسبوك ينشرون معلومات عن أحوالهم الشخصية و أيضا يضعون صورا لهم،وبين أن الشركة المسؤولة عن موقع الفيسبوك لها الحقوق في إستخدام الصور الموضوعة على موقعها وضمن أي حساب كيفما تشاء،ومن ثم نقلنا الكاتب لجدلية العلاقة بين الفيسبوك والثورات،فصحيح أن الشعوب ظاهريا تمكنت من التعبير عما لديها من آرء ولكن أيضا هناك عدد من المتطرفين في الفيسبوك ،وهناك من يروجون النعرات الطائفية، وهناك أصحاب المصالح السياسية الذين يرتضون أي وسيلة ومنها الفيسبوك للوصول لمبتغاهم،وهناك أيضا حملات للتشهير وللتحريض على القتل!
وفي نهاية الكتاب،سرد لنا نصائح عن كيفية التقليل من الجوانب السلبية للفيسبوك لمن أرادوا البقاء فيه،ومنها تحديد توقيت لتفقد الحساب الفيسبوكي،وعدم النظر إليه في الفترة الصباحية،وعدم إستخدام الهواتف الذكية لمتابعة الحساب،وتحديد عد د مرات المتابعة ،وأيضا تحديد عدد الأصدقاء الفيسبوكين،وأخذ فترة إستراحة من الفيسبوك بين الحين والآخر،ومن أجمل العبارات التي وردت في الأسطر الأخيرة من الكتاب"فلنخرج من الشاشة ولنعد إلى الحياة!".
كتاب أو كتيب (العيش كصورة-كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة) للكاتب طوني صغبيني،يذكرنا بأن هناك شخص وراء الصورة الإفتراضية يستحق ان يتابع حياته خارجها!