قال الإمام علي كرم الله وجهه: " ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصابه ".
لم أجد أنسب من هذه الجملة البليغة لأبدأ بها الحديث عن رواية تدور حول الشخصية الإسلامية الأكثر إثارة للجدل فى العالم كله منذ العقد الأخير من القرن الماضى حتى نهاية العقد الأول من قرننا الحالى، ألا وهو أسامة بن لادن المكنى فى الرواية بأبا عبد الرحمن، و هو الشخصية الرئيسية التى يأخذنا من خلالها الكاتب المجتهد صبحى موسى فى رحلة يمزج فيها بين الحقيقة و الخيال، تبدأ من أربعينيات القرن المنصرم لنتعرف على والده و حياته الحافلة و بنائه لإمبراطوريته الإقتصادية، بالتوازى مع متابعة تطورات تيار الإسلام السياسى حتى مطلع القرن الحالى، رحلة يطوف بنا فيها من مصر إلى السعودية إلى اليمن إلى الجزائر إلى الصومال إلى السودان إلى باكستان إلى أفغانستان ، مستخدما شخصيته الرئيسية نموذجا لعرض حالة آلاف الشباب المسلم الذين دفع بهم إلى أفغانستان فى الثمانينات لنصرة الإسلام و جهاد الروس "الملاحدة" بخطة و تمويل أمريكيين و مباركة و دعم من الحليفين المصرى و السعودى، لينتهى بهم الحال بعد "الإنتصار" ضيوفا على حلفاء الأمس فرقاء اليوم الأفغان المتقاتلين بحثا عن السلطة "الشرعية"- فى بلد مصدر دخله الرئيسى من الأفيون!- و غير مرحب بهم من أنظمة بلادهم – التى أرسلتهم!- و لا هم راغبين فى العودة إليها -إلا فاتحين!- ليتحولوا إلى "مجاهدين" رحل باحثين عن أى مكان يقبلهم ليتخذونه "قاعدة" يشنون منها حربهم "المقدسة" ضد الجميع، وهى نفس المأساة التى تتكرر اليوم فى سوريا، و نجلس نحن منتظرين نفس نتائجها الكارثية مرة أخرى فى دائرة جهنمية يبدو أنه لا فكاك منها!
عن نفسى لم أكن يوما من المتعاطفين مع مستحلى دمائى و دماء أهلى و أصدقائى، أو المستعدين لإعتبارها خسائر "جانبية" لأننا نقف بينهم و بين هدفهم "المقدس"، و حرب "التفجيرات" هذه لم تحظ يوما بإحترامى و أراها لا تختلف فى النذالة عن حرب "الدرونز" –المقاتلات بدون طيار- الأمريكية، التى تحارب الإرهاب عشوائيا فتقصف حفل زفاف هنا و تقيم مأتما هناك، لكن ما يقدمه صبرى موسى هنا ليس دعوة للتعاطف، و لكن لفهم هذه الحالة السياسية و الدينية -و الإنسانية قبل أى شىء- من وجهة نظر أصحابها أنفسهم، و ما رأيته أنا فى حياة هذه الشخصية الدرامية من خلال الرواية ذكرنى بشخصية "مايكل كورليونى" فى العراب –رائعة ماريو بوزو التى حولها للسينما المبدع فرانسيس فورد كوبولا و جسدها العبقرى آل باتشينو- بتحولات الشخصية المبررة فى سياقها، و التى تنتهى فى مسار مخالف تماما لما بدأت نتيجة ظروف حياتها الإستثنائية، و التى تجعلك لا تستطيع الجزم بما كنت ستتحول إليه شخصيا لو وضعت فى نفس الظروف!
و هنا تتجلى مهارة صبحى موسى فى حيادية الطرح الذى يقدمه كروائى لهذه القضية المهمة و الملتبسة، كما يتجلى المجهود الكبير الذى بذله كباحث فى جمع المعلومات عن شخوص روايته الكثيرين و عن الحالة بأكملها و جذورها التاريخية و الدينية التى يستلهمها أبطال الرواية فى كل حين، حتى يتمكن من إكمال الصورة من خياله و بث الحياة فى هذه الرموز المعروفة على الورق لتصير شخصيات من لحم و دم، كل هذا بأسلوب متمكن و لغة عربية سليمة و سلسة إفتقدتها كثيرا فى روايات هذه الأيام!
كل ما سبق دفعنى لتقييم الرواية بخمس نجوم كاملة، رغم بعض المآخذ البسيطة لى عليها، أبرزها الجزء الأخير منها الذى غلبت فيه إستنتاجات الكاتب معلوماته، فيما يتعلق بالتخطيط لهجمات الحادى عشر من سبتمبر، و إفتراضه أن الظواهرى –المكنى له فى الرواية بالصباح نسبة لحسن الصباح كبير فرقة الحشاشين!- هو العقل المحرك ورائها بخلاف رغبة بن لادن نفسه، و بالتعاون مع أجهزة مخابرات عالمية كثيرة فى مخطط حرب عالمية لم يكتب له النجاح، و هو إفتراض يمكن تقبله روائيا و إن كان بحاجة لأسانيد تدعمه على أرض الواقع، و هو ما لم يقدمه الكاتب.
بالإضافة لإسم الرواية الغامض الذى إحترت فى تفسيره، حيث لم يذكر المؤلف له سببا فى الرواية و لا وضحه فى أى حوار قرأته له، حتى هدانى تفكيرى أن تسمية بن لادن برجل الثلاثاء عائدة فى الأغلب على الحدث الأكبر الذى إرتبط إسمه به و هوالثلاثاء الحادى عشر من سبتمبر 2001 الذى نفذت فيه القاعدة هجماتها الشهيرة.
و تبقى آخر نقطة ضعف و هى غلاف الرواية الذى أراه مستحقا لجائزة أسوأ غلاف رواية فى القرن الحادى و العشرين عن جدارة، و ربما كان سببا حقيقيا فى إنخفاض مبيعاتها!
فى الواقع كان سبب التغاضى عن هذه المآخذ و منح الرواية خمس نجوم بدلا من أريعة هو رغبتى فى رفع التقييم العام لهذه الرواية المظلومة، فعلى أهمية القضية التى تتناولها، و المجهود الواضح المبذول فيها، و جودة الطرح الذى قام به الكاتب، و لغته السليمة و السلسة، فإن تقييمها العام على أبجد كان نجمتين –ناتج تقييم واحد- و على الجود ريدز نجمة و نصف –ناتج تقييمين أحدهما من الصديق إبراهيم عادل الذى قيمها هنا على أبجد أيضا- أى أن مجمل من قرأوا الرواية على الموقعين –بغض النظر عن تقييمهم لها- هو قارئين إثنين!
و هو مما يدعو للأسى فى الوقت الذى تحظى فيه روايات أقل بكثير فى القيمة و الجودة و الأهمية بمعدلات قراءة و تقييم مرتفعة جدا –بالحق أحيانا و بالباطل غالبا!- بل و ترشح لجوائز أدبية لا تستحقها، و هو ما ينم فى رأيى عن إختلال مؤسف فى معادلة الثقافة فى مصر على الأقل.
فهذه رواية تستحق القراءة فعلا، عن شخصية و ظاهرة شغلت العالم و شغلتنا نحن بالأخص كثيرا ولا تزال، و بداية مبشرة لكاتب مجتهد و موهوب يستحق المتابعة و يتوقع منه الكثير.
و ختاما: يبقى الطريق إلى الجحيم مفروشا –غالبا- بالنوايا الطيبة!