تيت به من مكتبة دار الشروق بوسط القاهرة وهي المكتبة التي لم يوظفوا فيها إلى الآن- من يسألك السؤال الصعب كما يقول محمود درويش ((ماذا تريد؟)) .... وهذه الملاحظات التي أسردها هنا هي حديث عقلية سطحية اعتادت القراءة لمتعة الروح لا لتنمية الفكر .وهي كالتالي
- أولا هذا الكتاب يعد في نظري مثالا حيا لفن ترويج الكتب فصدر الغلاف هو وجه الامام محمد عبده رحمه الله بنظرته العميقة تلك سيدفعك دفعا لتصفح الكتاب ان لم يكن لاقتناءه بينما ظهر الغلاف أختير له أشد أجزاء الكتاب وقعا وأكثرها جدلا في الآونة الأخيرة والتي تبدأ بالتساؤل(يقولون ان لم يكن للخليفة ذلك السلطان الديني أفلا يكون للقاضي أو شيخ الإسلام..الي أخر الجزء ؟..)ولكن بعد انتهائك منه ستجده أشبه بمقالات متفرقة (مفيدة بالتأكيد ) ولكن بطريقة ما غير مترابطة .
- لا أدري ما الذي دعاهم إلى تغيير الاسم الأصلي المتداول للكتاب وهو:((الاسلام والنصرانية بين العلم والمدنية )) وكانهم بذلك يؤكدون أن لفظ (النصارى ) يعد سبابا أو شتما وهذا غير صحيح فالحواريون حينما سألهم المسيح عليه السلام :من أنصاري إلى الله ؟ أجابوه : نحن أنصار الله ومن هنا جاء الاسم على حد علمي كما أنها لو كانت سبة لما استخدمها الامام رحمه الله عنوانا لكتابه
.
- توقفتني المفارقة التي عقدها بين الديانة المسيحية بتوجهاتها السلمية ونبذها القتال والسلطة واستشهاده بما جاء بالانجيل: ((من ضربك على خدك الايمن أدر له الأيسر ))بينما الديانة الاسلامية فقال فيها :((فالناظر في أصولها ومن يقرأ سورة من كتابها المنزل يحكم حكما لاريب فيه بأن المعتقدين بها لابد أن يكونوا أول ملة حربية في العالم وأن يسبقوا الجموع في اختراع الالآت القاتلة واتقان العلوم العسكرية واستشهد بالطبع بقوله تعالى :((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) ثم يتساءل باستغراب : (كيف اُخترع مدفع الكروب او المتراليوز وغيرهما بأيدي أبناء الديانة الأولى قبل الثانية؟؟ ص12-13
- كان طريفا جدا هامش الصفحة 14 حيث كتب جامع أو طابع هذا الكتاب في عهد عبد الناصر على ما يبدو :((وقد كان هذا في عهد الامام أما الان فقد تبدلت الحال في عهد الثورة الحاضر الذي عنيت فيه الجمهورية العربية المتحدة باتباع الاية الكريمة واهتمت بالتصنيع ووووو......))ذكرني هامشه بمعلمات مدرستي بالسعودية حينما كان يبدأ اي نقاش بداية طبيعية ثم ينتهي ب((وقد قامت حكومتنا الرشيدة ببذل كل الجهود المرجوة وووو))وكنا نسميها فقرة حكومتنا الرشيدة
.
- أما مقال مسيو هانوتو وزيرخارجية فرنسا انذاك فقد وجدته بالمقارنة مع ما نراه الان من نقد غربي للاسلام شيئا غاية في التهذيب وكان جميلا وصفه لما رآه من تعلق وجدان المسلمين بقبلة واحدة وقيام وسجود واحد مرددين الله أكبر إلا أنه بدأيضايقني عندما تحدث عن أن الدراويش الذين يلهج لسانهم بذكر الله ويدورون يحدثون الناس عن شيم الأولين من خيمة الى خيمة هم يبذرون بذور الحقد والضغينة نحو دعاة المدنية أمثالهم
ص28
- اما ما أثار استفزاز الامام فهو ايراده لرأيي مسيو كيمون في كتابه ((باثولوجيا الاسلام ))حيث قال:((إن الديانة المحمدية جذام نشأ بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا ... )) الي نهاية المقطع بصفحة 34ثم أورد بالمقابل ليبين حيادية أفكاره :الرأي الغربي المؤيد للاسلام كاقتباسه من القس لوازون اعترافه واقراره بأن الاسلام هو الدين المسيحي محسنا ومحورا ..
- ثم أخذته الفلسفة مأخذا غاية في الغرابة اذ يقتنع بأن عقيدة كالاسلام تقول بتناهي الربوبية في العظمة والعلو تجعل من المسلمين كما قال تحديدا :((كمن يهوي في الفضاء بحسب ناموس لا يتحول ولا يتبدلولا حيلة لهم فيه سوى متابعة الصلوات والدعوات))غير أن اعتقاد المسيحين بالثالوث المقدس يجعل من الانسان واسطة بينه وبين ذات الله سبحانه وتعالى فتكون نتيجة ذلك كما قال :((أنه يحملهم على اتقان ألاعمال التي تقربهم إلى الله حيث الوسائط بينهم وبين ذاته الجليلة موصولة) ص33
- ثم رد عليه الامام ردا قاسيا بأدب.. غيورا بعلم وحجة مما دفع بالثاني الى الدفاع عن رأيه ملتزما أيضا بأدب الخلاف قائلا انه كتب ما كتب كمؤرخ وليس كمسيحي وانه رصد كما قال :((انه كلما تقدمت اوروبا تأخر الشرق لأن الواقف يتأخر بقدر ما يسير الماشي ... ثم ان الهكم ايها الشرقيون اله اوروبا واله امريكا اذ ان اله الجميع واحد ولا يمكن أن يكون أكثر عطفا على الاوروبي منه على الامريكي فالشرقيين عموما أكثر تمسكا بعقائدهم من الغربيين وقد علمنا ان اوروبا فاقت شرقكم بمراحل ونرى اليوم امريكا تزاحم اوروبا ولم يكن ذلك لان الله سبحانه وتعالى اميل الى الامريكي منه الى الشرقي ولكن لان الاخير مستميت والاخر حي .. هذا يشتغل مجتهدا وهذا يقضي حياته بين القنوط واليأس))وقد اقتنعت بهذه الجزئية جدا برغم اختلافي معه في فكره المادي حيث أن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة فاطر :((كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)) فالله لا يضيع عمل ابن ادم ابدا
- احببت كثيرا هذا الجزء من رد الامام على ما جاء من تفسيره الفلسفي لعقيدة الاسلام قائلا :((كلما ارتقى الانسان في العلم ولطف وجدانه بالفهم ونفذ عقله في أسرار الكون تمزقت دون روحه حجب المادة وانجلى له الوجود الأعلى على تفاوت ذلك في درجات الظهور والنجلاء ينتهي الى الاعتقاد بوجود واحد واجب يستحيل عليه ان يلبس لباس المادة على النحو الذي يفطنه مسيو هانوتو وأمثاله لأن ما لا حد له محال ان تحيط بوجوده الحدود)) ص81
- وحينما تحدث هانوتو عن ان مسلمي الجزائر وتونس يعيشون في سلم جنب الى جنب مع ساستهم الفرنسيين بينما يعيش أهل بقية الدول العربية الخاضعة لخلافة اسلامية حياة مزرية .فرد عليه الامام قائلا:((ان العدل ورعاية الحقوق واحترام المعتقدات بعد معرفة اصولها هي التي تخفف على المغلوب سلطة الغالب وتدنو به منه وتهون عليه الرضاء عنه))ص92
- ثم ترفق الامام في رده الثاني عل هانوتو وبدأ بتوضيح روح الاسلام وما عانى منه ابناؤه من بدع ادت بهم الى ما هم فيه على مدار التاريخ مما قد يدفعك الى حديث سري مع نفسك قائلا في يأس :(لن تغير أبدا ) فاذا به يرد عليك رحمه الله بقوله الجميل:((وزد على ذلك أكبربدعة عرضت على نفوس المسلمين في اعتقادهم وهي بدعة اليأس من أنفسهم ودينهم وظنهم ان فساد العامة لا دواء له وأن ما نزل بهم من الضر لا كاشف له .. ثم أورد الاية الكريمة : ((إنه لايايئس من روح الله إلا القوم الكافرون))ص107
-ثم بدأ الجزء الثاني من الكتاب بالحديث عن أصول الاسلام والدعوة الى الايمان بوحدانية الله مع اعمال الفكر بالتأمل والمطالبة باعمال العقل للوصول الى اليقين وان العقل اولى من النقل الذي يدفع الى جمود الفكر
- ثم كان هذا الجزء الذي قرأت اقتباس له من قبل في احدى كتابات بلال فضل وهو قول الامام في احد أهم أصول الاسلام :((إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الايمان من وجه واحد حمل على الايمان ولا يجوز حمله على الكفر))ص129
-وتحدث عن كون العلم عبادة وان لم يكن دينيا وأن سماحة الاسلام في ذلك فاقت المسيحية الذين أعادوا كتابة الانجيل باللغة اليونانيه هاجرين بذلك لسان عيسى عليه السلام السرياني وذلك لكراهتهم في اليهود ولم يكتب بالعبرية الا انجيل متى
- ثم شدد على أنه لا سلطة دينية على أحد من المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي الا النصح الجميل وان الحاكم في الاسلام ليس له حق (الثيوقراطية ) وهو مصطلح لم أكن أعلمه من قبل يعني به السلطان الالهي الذي ينفرد بتلقي الشريعة عن الله وله الحق في التشريع وله في رقاب الناس حق الطاعةلا بالبيعة ولكن بالايمان فان خالفه احد مارعية كان ذلك كافيا لتكفيره مثلا
-وان من أهم اصول الاسلام النهي عن ايذاء الذمي وهو الكتابي مسيحيا او يهوديا وانه احتج بغباء المخالفين لمثل هذا الاصل بأن الله قد أباح للمسلم ان يتزوج الكتابية وان تكون اما لأولاده وأمينة على بيته وأن يكون أهلها الكتابيين اصهاره فلو كان الاسلام يريدها حربا لا تنتهي فكيف يستقيم مثل هذا الترخيص الالهي
.
كنت سمعت اليوم محاضرة قيمة جدا للامام االحبيب بن عل الجفري عن أدب الرد على المسيئين الى الاسلام بشكل عام والى الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل خاص وبالرغم من انها كانت بتاريخ 2007 متزامنة مع احداث الرسام الدنماركي ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة كما يقولون مع أحداث هذاالفيلم المسئ وقد قال فيها الحبيب : كيف ينصر المسلمون رسولهم بمخالفة سنته ..يقصد بذلك السب والشتم والقتل والتخريب ولهذا وددت لو أكتب كل الافكار التي وردتني وانا أقرأ هذا الكتاب وأقتبس كل ما قيل فيه فلقد رأيت ادب الانتقاد في مقالات هانوتو الفرنسي ووجدت فيه ايضا صدق الغيرة ونظافة البيان من الامام محمد عبده رحمه الله فكان بحق نموذجا لأدب الخلاف
.