لأمي نصائح إعتادت عليها أذني وأيضا إعتاد عليها قلبي،ربما عقلي لم يكن يستوعبها كلها في صغري ولكني كنت أشعر بأن خبرة والدتي تستحق الإحترام وبالطبع مكانتها عندي تشفع لها دوماً،ومن تلك النصائح :
-إذا أخطأ شخص فهذا لا يعني أن تعامليه بنفس طريقته الخاطئة
-كوني على قدر تحديات الحياة،فهي كلما إرتفع سقفها فهذا يعني بأنك صاحبة قدرات عالية
-إبتسمي مهما كانت ظروفك صعبة ،فهناك من ظروفهم أصعب منك وهم يبتسمون
-قومي بإتقان ما تقومين بعمله ليس لتثبتي للآخرين إمكانياتك فحسب وإنما لتعرفي مدى إمكانياتك
-وجبة الفطور أهم وجبة فدللي نفسك بها ،هي فترة ليست لتناول الطعام فحسب وإنما لتسني فيها إيقاع يومك
-إستمتعي بما عندك فلا شيء يدوم
-إستعملي ألفاظ جميلة وأسلوب لبق في الكلام،فالكلمات المهذبة ترمم ما في النفوس من خلافات
-لا تشغلي بالك بإرضاء الجميع ،فقط احرصي على إقتناعك بما تقومين به
-ضعي الفكرة التي تحيرك بعيداً قليلاً ثم عودي لها فربما تعجبك مثلما كنت أضع لك معطفاً لا يعجبك ومن ثم ترتدينه بعد أسبوع
-لا تجبري نفسك على أن تكوني مثل الآخرين
-أكثري من الصلاة والدعاء ليبارك الله في حياتك وليوفقك
-توجهي للتسوق في الأحيان التي تشعرين فيها بتوتر دون شراء أي شيء فقط لكي تري أن في الحياة خيارات مثل تلك التي في مراكز التسوق
وحينما كبرت قام أبي بهمس خلاصاته الحياتية لي ،وهي بطابع عقلاني ومقتضب أكثر من والدتي ،وهو قدمها لي مقتطعة وكأنه كان ينتظر حدوث واقعة ما أو حتى توقع قربها ،وهي كالتالي :
-صحتك ينبغي أن تكون دائماً من أولوياتك
-إهتمي بأناقة فكرك
-اعرفي من يحتاج المساعدة وقدميها له
-احرصي على إدراك شخصيات من حولك ومن ثم ستسهل الأمور
-الأموال التي ستتذكرينها هي تلك التي قمت بصرفها ..وأنت من سيحدد كيفية صرفها
-لا تتوقعي أن تكوني كاملة فسوف تتعبين إن قمت بذلك ،ولا تتوقعي هذا من الحياة أيضاً فالنتيجة هي نفسها
-إستشيري ولكن القرار النهائي هو لك ...أنت من عليه تطبيق القرار
-الدنيا بسيطة لا تعقديها
وهكذا خضت حياتي وأنا محاطة بشذرات ذهبية من النصائح ومع الوقت تبين لي مدى صدقها ومدى أهميتها،كان يحدث أن أفوت وجبة الفطور في صغري وبعد سنوات تندمت على ذلك،وحصل أن إنغمست في مشاغلي وقللت الإهتمام بصحتي ولكني بعد ذلك أنبت نفسي على ذلك،،وكنت في فترة أقلق مما سيعتقده من حولي فيما يخص كل حركة أقوم بها وكل قول أقوله ومن ثم حرصت على أن أكون ذاتي،ما أعرفه هو إني اليوم أحرص مني الأمس على نصائحمها لأني أعي الحياة أكثر ولآني تيقنت من صحتها،أمي كانت تشرحها وأبي كان يفضل أن يطبقها دون تفصيلها كلامياً ولكني الآن أشكرهما على النصائح التي ذكرتها وغيرها ،أشعر بأن حياتي كانت ستكون فيها تخبطات أكثر لولا تلك الجرهات من النصائح،وأكثر ما أحبتته هو هو إنعدام نبرة الإجبار في كلامهما وأيضاً صبرهما علي أثناء إسداء كل نصيحة منها،فمعاملتها لي كمخلوق مسؤول وقدار على صنع قراره ولديه حيرة التعبير والتعليق على النصائح كانت معاملة بديعة للغاية،تلقفت يدي كتاب (إرشادات الحياة القصيرة) لجاكسون براون ،وهو كتاب كتب عن عمد كهمسات أب لابنه وصار كتاباً بالصدفة،والكتاب يسرد نصائح أبوية فيها من ملامح نصائح أمي وأبي لي ،ولغة الكتاب هي تعتمد على ترقيم النصائح وهي عملية أيضاً ،وهي نصائح قصيرة وفيها مراعاة لسن ابن الكاتب الذي كان متوجهاً للدراسة للجامعة ،فالعجلة هي السمة السائدة في كلام الشباب،وإذا بهذه النصائح التي أراد الكاتب أن يقولها لابنه يتم تسطيرها في كتاب وهو كان من أكثر الكتب إنتشاراً وما زال مؤثراً لليوم،النصائح الأولى هي الأقل تكلفاً والأكثر بساطة وهي تخاطب النفس لتستمع بالحياة ،ومن النصائح الأولى "أطر ثلاثة أشخاص كل يوم" و"امتلك حيواناً أليفاً" و"شاهد غروب الشمس مرة كل سنة على الأقل"،كأن الحياة عبارة عن مسرح بهجة والتذاكر هي من التفاؤل والأمل ،ومن ثم يتصاعد المرح في النصائح ونحس بأن من الضروري أن يبتهج الإنسان في الحياة،وسنلاحظ بأن جزء كبير من البهجة يأتي من إعانة الآخرين والإهتمام بهم ،ومن هذه النصائح "اصنع دوما صداقات جديدة ..دون أن تهمل القديمة" و"خذ أطفالك إلى حديقة الحيوان" و"اكتب عبارة شكرا وضعها في مكان تراه زوجتك" و"احترم مدرسيك"و"فاجئ من تحب بهدية غير متوقعة على الأإطلاق"و"استخدم حس الفكاهة للتسلية وليس للإساءة""عانق أطفالك بعد تأديبهم" هذا اللون من النصائح به رومانسية وإبتسامة والوفير من الحب،وتكلم الأب عن المساندة المجتمعية وأهمية إظهار الإحترام والتقدير لكل فرد ولكل فئة في المجتمع فقال :"احترم رجال الشرطة والإطفاء"و"اشتري خضارك من المزارعين الذين يكتبون أسعارهم بخط اليد" و"اختر إحدى الجمعيات الخيرية في منطقتك وادعمها بكرم..بمالك و وقتك" ،فكل شخص له دور مهم في هذه الحياة وإذا لم يقم به سيختل شيء ما في الحياة،وأسدى الأب نصائحه حول التعامل مع المال لابنه ومنها " لا تصرف وقتك في تعلم التحايل على سوق الأوراق المالية" و"ادخر دوما 10% من راتبك الشهري" و"لا تستثمر في البورصة ما لا يمكنك خسارته" "تعلم كيفية قراءة التقارير المالية والايعازات الضريبية"و"استخدم الإئتمان فقط في حالات الضرورة وليس بصورة دائمة" ،فالمال عنصر لا يمكن الإستغناء عنه وينبغي توخي الحذر أثناء إستخدامه،وحتى السياسة أو بمعنى أصح إبراز الروح الوطنية ذكرت في الكتاب فكان التالي "صوت في الإنتخابات ..فهذه مسؤولية واجبة عليك"،فالإحتفاء بالوطن واجب قومي مع الإفتخار بكل إنجازاته ومحاولة مضاعفتها،وأيضاً كانت هناك نصائح تدعو إلى تقدير نعمة الله والتذكير بالمحافظة عليها ومنها "أحمد الله بعد كل وجبة طعام"و"لا تنسى إغلاق أنبوب معجون الأسنان" ،فالإنسان عليه ألا يبطر بما أنعم الله عليه به ،والنصائح حول النظافة منها "اخرج القمامة من المنزل قبل أن يخبرك أحد بذلك"والكاتب لم يتحرج من ذكرها لأنها من ضمن الحياة، ،أما النصائح التي كانت عميقة للغاية وصاحبة التأثير الأكبر فهي دارت حول العناية بالذات والرقي بها ومنها "توقف عن لوم الناس..وتحمل مسؤولية أفعالك دوماً"و"لا ترد يداً مدت إليك"و"اعترف بأخطائك" و"كن المثال الأفضل للحب والعدل والطيبة لأولادك"و"لا تكرر أخطائك وتعلم منها"،والكاتب حرص على السلاسة في طرحها وبإتزان كبير،وكان يطلب من ابنه ان يحصل على مهارات فقال له "تعلم التصوير الضوئي"و"تعلم كيف تصفر"و"تعلم ركوب الدراجات الهوائية"و"تعلم كيفية قيادة السيارة بنظام غير يدوي"و"تعلم أسماء الزهور والطيور والأشجار التي تعيش حولك" وأيضاً نصح ابنه بقراءة بعض الكتب،فنشعر بأن العلم خاصة بالأشياء التي يعيش معها يحسن الحياة،وبعض النصائح هي تقارب النصائح التي نتصور بأن الأهلي يقولونها ولكن الكاتب وضعها بشكل مغايرومنها "لا تتهاون في فحوصاتك الطبية الدورية "و"ابتعد عن المخدرات ..وابتعد عن أولئك الذين يتعاطون المخدرات"و"لا تكثر من وضع الملح في الطعام" ،وكانت هناك نصائح روحانية ومنها "إياك والتجديف على الله ..أو تدنيس المقدسات"و"ابحث عن الخير في داخل من حولك"و"احصي نعمك لتعرف كم أنت محظوظ"و"لا تحمل الحقد على أقرانك"،والكاتب لم يضع عناوين للنصائح وإنما لهج بها كما خطرت على باله من النصائح حول برطمان المربى إلى النصائح حول إختيار العمل والزوجة وتربية الأطفال وتقدير الأم والأب،ولعل هذه العفوية التي إعتمدها الكاتب هي التي ساهمت وصول الكتاب إلى قلوب الجماهير ...
بعض القراء لكتب تطوير الذات يفضلون أن يكون هناك تمارين يتم تفعيلها أو أسئلة تتم الإجابة عنها،وهم بهذا يريدون أن يطبقوا ما جاء في الكتب واقعياً ويشعرون بأن هذا يسهل الأمور عليهم،كتاب (إرشادات الحياة القصيرة) هو ليس من هذه الكتب،فهو لم يكتب ليصبح كتاباً وهو أيضاً لا يذكر نظريات ولايطرح أسئلة وكلمات نصائحه مختصرة ،ومع كل هذا فالكتاب ربما يروق لم يحبون الإنصات لمثل قاله الجد أو قالته الجدة،فهناك من يسأل الأجداد أن يعيدوا الأمثال التي يقولنها ويسألونهم عن معانيها ،وحتى إن لم يتمكن الأجداد من القيام بذلك بشكل كامل قد يتوجه الأبناء او الأحفاد للبحث عن حكاية الأمثال،وحينما يقوم المرء بالبحث ترتفع قيمة المعرفة التي إكتسبها عنده،وقد يؤثر هذا الكتاب هذا التأثير فيبحث أحدنا عن معنى نصيحة أو جملة وردت فيها وأحياناً الحياة تقوم بهذا الدور من تلقاء نفسها،وبخصوص النسخة العربية من الكتاب فكان منحى الترجمة هو الأسلمة فتم إستبدال بعض الكلمات أحياناً ،فمثلاً تم إيرداد كلمة "مسجد" بدلاً من "كنيسة" ،وكلمة"القرآن" بدلاً من الإنجيل،أم بقية الأمور فالترجمة حافظت عليها كما هي،وشكل الكتاب باللغة العربية هو توعوي وتطويري أما باللغة الإنجليزية فهو تأملي وإنساني ...
كتاب (إرشادات الحياة القصيرة) للكاتب جاكسون براون سنعرف منه بأنه لا بأس أن نقول بأن "أمي قالتي افعل هذا " أو "أبي قال لي افعل هذا"
ملاحظة :
قلبي يعتذر لأمي على كل مرة تم فيها إعداد شطائر لي وتم وضعها في حقيبة طعامي المدرسية ،ومن ثم أعود بها للمنزل دون أن آكلها أو وأحياناً كنت أوزعها على صديقاتي لكي أوهم أمي بأني كنت آكلها،وأيضاً قلبي يتأسف لأمي على كل مرة صد فيها عن الإبتسامة ،فهو كان يجهل ما كانت تبصره عيون أمه من جمال تحديات الحياة .