إذن فقد أرادها خيرا, وكانت النية سليمة, أراد عبد الرحمن الشرقاوى ان يوجه هذا الكتاب بصفة خاصة لغير المسلمين ليقدم لهم الرسول الإنسان المقطوع الصلة بالسماء !. لكنى أقول أن محاولته هذه جاءت كما قال المثل الشعبى "جه يكحلها عماها" !
إن اعتبرنا هذا الكتاب عملا أدبيا (رواية مثلا) كما أرادها عبد الرحمن الشرقاوى, حينها يمكن أن تُصنف على أنها فشلت فنيا؛ أداء فنى وأدبى ركيك, لم يضف الشرقاوى للسيرة سوى النذر اليسير من تأويلاته السطحية؛ فيفسر انفعالات ومشاعر الرسول مثلا على هواه !
أمر آخر مزعج: التطعيم المباشر لتفسيرات عظيمة فى مواقف عادية: كأن يقول مثلا "واستدعى محمد شاعره حسان بن ثابت ليقرض شعرا فى الإسلام.. فقد كان محمد يحب الشعراء ويقدر الثقافة ويضع الثقافة والمثقفين فى موضعهما العظيمين" ! وهكذا فى معظم المواقف العفوية ,المتوارثة عند العرب.
لم أشعر بها عملا أدبيا, كأنها دراسة إسلامية عادية, مملة كثيرا حين يقحم الشرقاوى نفسه وسط الأحداث !!
الغريب أيضا فى هذا الكتاب أنه لم يأت ذكر كلمة قرآن سوى 3 مرات تقريبا, ولم يأتى ذكر (جبريل) نهائيا, الآيات مكتوبة فى صورة نثر, لا يوحى شكلها بقرآن منزّل, ولا من الوحى, حتى أنه لم يذكر حادثة نزول الوحى لأول مرة "إقرأ.." بل اكتفى بذكر أن وجهه تصفد عرقا, ورتل: "...." فيبدو الأمر كأنه كان حلما أو هزيانا, وللأسف هذه هى أصلا صورة الرسول والوحى عند غير المسلمين, يتعاملوا مع الرسول كأنه أديب مثلا يأتيه الوحى كما الأدباء العظام وأن القرآن من تأليفه, هذه فكرة المعتدلين منهم !!
فتثبت نظرتى للشرقاوى إنه "جه يكحلها عماها"
الأمر الآخر: زوجات الرسول.. اعتدت أنه قبل زواج كل زوجة أن يقول هذه الرواية الشبه متكررة: "وكانت من ضمن السبايا فتاة جميلة فأشار على أصحابه بأن يتزوجها أحدهم فيرفضون أو ترفض هى (أو أى أسباب أخرى) وفى النهاية يتزوجها الرسول" ... كم هى مزعجة تأويلات عبد الرحمن الشرقاوى!!
هذا بالإضافة للأخبار الغريبة التى لم أسمع عنها من قبل كما فى قصة حمزة وعربدته مع الخمر, وقصة محرف القرآن الذى أسمع عنه لأول مرة من الشرقاوى, وغيرها من القصص !!
والكتاب طبعا خالى من المصادر, فلا نعلم من أى مصدر استقى معلوماته..
فى النهاية: هذا العمل رائع حقا لمن يريد أن يكتب قصة عن السيرة ويريد أن يتحاشى كل هذه المغالطات والشطحات .
للأسف هذا العمل الأدبى العظيم عن السيرة لم يُكتب بعد, وفى اعتقادى أنه لن يكتبها مسلم !
الأمر الوحيد الذى يُحسب للشرقاوى: التسلسل اليسير للأحداث واللغة السهلة البعيد عن تعقيدات الكتب الإسلامية العتيقة.
ملحوظة: *قرأت من قبل كتاب "الرحيق المختوم" الذى على أساسه وجهت انتقادى.
*لمن يريد أن يقرأ هذا الكتاب, يُفضّل ألا يكون مصدره الأساسى عن السيرة.