رواية “أرض السودان” لأمير تاج السر، منذ أشهر أسرتني ولم أستطع الكتابة عنها ليس فقط لتميزها وتفردها بعالم الرواية، بل هناك سببٌ أعمق أن هذه الرواية لو كانت لكاتب آخر غير أمير تاج السر لما أسرتني إلى هذا الحد، إعجابي لها تخطى إعجابي بالفكرة والأسلوب، إعجابي كان كبيرا بقدرة هذا الكاتب على كثرة إنتاجه وتنوعه قدرته على التفرد والتميز بكل رواية من رواياته، كل رواية لأمير تاج السر هي عالم مختلف عن الرواية الأخرى، لمثل هذا الكاتب تقول لا تكف عن الكتابة أبدا، سيمتعك ويبهرك بأفكاره المختلفة التي يقدمها بأسلوب بسيط وساخر وأخاذ، هذا السهل الممتنع، يضيف لك المتعة ويغرقك بعالم الرواية وتخرج منها بصعوبة، من المقدمة للحبكة للنهاية ستظل محافظا على اندهاشك .
رواية كانت مختلفة لأنها هذه المرة تتحدث عن نظرة الغربي للشرق بنكهة إنسانية مناهضة للاستعمار والعبودية، نظرة المُستعمر بدور سائح للبلاد التي ينتهكها، نظرة الآخر، النظرة من الخارج للداخل لمجتمع يكشف فيه الحلو والمر، استطاع أمير تاج السر بكل براعة أن يلبس ثوب الغربي المُكتشف والمستغرب لأرض السودان، ننتقل مع نظرته وفكره ومشاعره ولا ترى غير صدقه في نظرته وتعبيراته، وأعتبر هذا تحديًا صعبًا للكاتب وأذكر أيضًا سعود السنعوسي اتبع هذه الفكرة في ساق البامبو النظرة من ثقب في جدار حدود مجتمعنا وتقييمه من نظرة قومية أخرى.
كل شخصية في روايات أمير تاج السر لها معنىً وأبعاد مختلفة عن كونها شخصية بسيطة بل تمثل طبقة وجزءًا هاما في تكوين المجتمع السوداني.
شخصية شرفية “الليمون الحامض” الذي يجمع الحلو والمر جعلني أراها “السودان” وما كانت تحمله من ضعف وقوة في نفوس المستعمرين يسخرون منها ويهابونها لها سلطة وحضور غير معروف سببه على الرغم من تفاهتها! جلبرت عثمان الإنجليزي نظر لها نظرة مختلفة عنهم أراد معرفتها وتغييرها لما يراه هو أفضل، من وجهة نظره كإنجليزي يناسب ثقافته التي تربى عليها، هنا الإشكالية في كيفية التغيير وإلى أين يأخذها هذا التغيير وما مصيرها؟ وهل يستطيع؟ وبماذا سيصطدم؟
النهاية التي تجبرك على الرجوع إلى منتصف الرواية تشعر أنك فقدت منها خيطًا كوّن هذه النهاية، لكنك تجده خيطا منفلتا لا تستطيع تعقبه، هو مجهول بحد ذاته سواء من طرفه أو في نهايته، نهاية مفتوحة تتركك مع صدمتك وتأويلاتك للأحداث لكنها تاريخ، وحاضرنا يبدو خير تأويل، هل هناك آمال أخرى نستطيع نسجها كنهاية؟! لا أحد يدري لكن يبدو السودان عصيًّا على التوقعات .
في منتصف الرواية لم أستوعب سرعة الأحداث وسهولتها أي أنني شعرت أن أميرا أعمق من ذلك، وبقيت في حيرتي حتى النهاية وقلت ها هو يفعلها بنا ويضرب رؤوسنا بعرض الحائط أذهلنا !
رواية أرض السودان وأمير تاج السر مثالٌ على أن الكتابة لا تحتاج لتعليمات، لأن إنتاج هذا الكاتب في كل مرة يختلف عن الذي قبله ليفاجئك ويذهلك أكثر، لا أدري ماذا يحمل في جعبته من المزيد، يبدو أن الموهبة وخبرته كطبيب وكاتب متابع جيدا وقارئ يجعله روائيًا متميزًا.
جزء من مقالتي عن كتابة الرواية بين الموهبة والتسليع ****