قدم لي الكتاب رؤية جديدة ل23 يوليو و ما اصطلح تسميته بالناصرية.
فالكتاب الذي يقدم نفسه بإعتباره قراءة نقدية للأيدلوجيا الناصرية، يشرح في مقدمته صعوبة البحث عن أيديولوجية ناصرية، فالناصرية –بحسب آراء و دراسات من كتب عن تلك الفترة- ليس لها أيديولوجية بخلاف الوطنية العامة التي لا تصلح أن تكون أيديولوجية. و لكن الكاتب يطرح رؤية الكتاب في كون الأيديولوجية الرئيسية في تلك الفترة هي " الشعب ". " لقد تحرك الضباط باسم الشعب معتبرين أنه قد ناداهم لإنقاذه. و يدرس الكتاب ما يعنيه هذا، أي ما يعنيه اسم الشعب".
و عبر فصول الكتاب، مدعماً بخطب عبد الناصر ( التي بلغت وحدها 1359 خطبة، مما دعا الكاتب لوصفه بأنه أكثر نظام متكلم عن نفسه عرفته مصر ) و مقالات و كتب تلك الفترة، يشرح الباحث شريف يونس، كيف استخدم اسم الشعب مبرراً و شماعة حتى كونه الشرعية للنظام كله.
فمن عبارة ناصر " كل الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب " يبدأ شريف يونس خطواته ليوضح كيف خلف بالونة اسم الشعب، حمى النظام نفسه و بررها.
فصل الكتاب الأخير و تذييل الكتاب كانا رائعين. بحثه عن جذور يوليو و أفكارها في فترة ما قبل الثورة كان ممتعاً.
ينتهي الكتاب إلى أنه " و كان النظام يعمل من أجل المبادئ، و لكنه أصبح بذلك يمثل طموحات لا بشرا، فقام بتشجيع الإنتاج لا المنتجين، و الصناعة لا الصناعيين، و دعم التحرر من الاستعمار لا قوى التحرر الوطني، و لاحقاً شجع ما أسماه الاشتراكية، لا الاشتراكيين، و هكذا. و كان المتاح أمامه مشاريع خيالية من قبيل تدريب المواطنين تدريباً كاملاً و تصميم مجتمع جديد. ثم تنفيذ التصميم باستعمال السكان بوصفهم "المادة الخام" الجاري إصلاحها و تربيتها بمحض قوة الإرادة المخلصة. فكانت المبادئ هي الاسم العام للعجز الشامل و سقوط كل مبدأ في حالة عدمية سياسية مستشرية بلا قاع. كان باختصار نظاما لا سياسياً.
و في ص.727 : " لم يكن 23 يوليو ثورة. ليس لأنه كان نظاما انتقاليا فكل الثورات انتقالية. لكن الثورات، و الثورات المضادة، انتصارات لقوى على قوى أخرى، تحمل ثمارها معها من قبل أن تبدأ، تؤسس دولة و تجلب قواها الإجتماعية إلى السلطة. أما انقلاب القلة المخلصة الذي أتى كتتويج لهزيمة كل أطراف الساحة السياسية فكان إعلانا بالإفلاس السياسي، كان انتقالا ينتقل إلى نفسه، لأنه توقف، توقف أمام معضلة بناء شرعية الدولة المصرية الحديثة، أي دولة الشعب، اكتفاء بالأمل في أن يجد أثناء الانتقال جديد، بالتجربة و الخطأ.
ربما أن الكاتب مُحقاً و أن يوليو ليست ثورة. فالثورات لا تكتب التاريخ من جديد لتتجمل. مثلما فعلت يوليو مع الزمن الذي قبلها. ما الذي تعنيه ثورة أصلاً ؟ ..
ففي كتاب لويس عوض أقنعة الناصرية السبعة، يقول أن مبادئ الثورة الست، أول 3 فيهم تبدأ بكلمة " القضاء على ... " .. لويس عوض رأى أنها انشغلت بالماضي أكثر من المستقبل.
رأي الشخصي في عبد الناصر، أنه زعيم استطاع أن يخلب لب الناس، رغم أنهم كرهوه في البداية .. كان فاسداً، لم يسرق مالاً لكن سرق سلطة. كذب على الشعب كثيراً باسم الشعب و باسم الحرية و باسم الأمل. ضلل الناس و سيرهم في الظلام على أمل الوصول، فاكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم في الفراغ. هل يكفي ما حققه ناصر طيلة ال18 عام من حكمه لنغض البصر عن كل سلبياته ! .. هل ما حققه يوازي أصلاً ما كان مأمولاً ؟ .. الحق أنه أتيح له فرصة لن تتكرر لحاكم أخر على المدى القريب، لكنه أضاعها في الهواء ..
عبد الناصر كان أول الحلقات التي أدت إلى مبارك و ما بعده.
و كما أكد الكتاب الناصرية مهلهلة أيديولوجيا. غير متماسكة و لا تقدم غير شعارات وطنية جوفاء. و ما أكثر المطنطنين في تاريخنا.