يقول الكاتب :(( ليس هناك ما هو أصعب من كتابة كتاب جاد حول الضحك وقد حاولت قدر الإمكان أن أخفف من الجهامة أو الجفاف العلمي الذي تبدى في صفحات كثيرة من الكتاب , نجحت أحيانا" وفشلت أحيانا" أخرى ))
الموضوع بشكل عام ملفت للنظر , ما الذي يمكن أن يقوله كتاب حول الفكاهة والضحك ؟؟ .. .
هو يقدم مدخل لعلم الضحك وشرح للمفاهيم , كما يعرض نظريات فلسفية غربية حول الضحك و الفكاهة , سيكولوجية وأدبية وما توصلت إليه الدراسات الحديثة حول الفروق بين الأفراد من ناحية والجماعات من ناحية أخرى في هذا الموضوع و الرؤية العربية والإسلامية للضحك والفكاهة أيضا" ثم الفكاهة والفنون التشكيلية , النكته بنيتها و أهدافها , المضحكون , ثم ينتهي الكتاب بأمراض الضحك وأساليب العلاج منه .
و ما أعطى في نظري أهمية أكبر للكتاب , هو تناوله الواسع والمتنوع للموضوع الذي اتسم بالمتعة وإن كان لا يخلو الأمر من بعض الملل أحيانا "وخصوصا" في الجزئية التي عرض فيها الكاتب النظريات الفلسفية والنفسية نظرا" لطابعها الجاف ربما.. ولكن حتى هذه الجزئية تخرج منها بنقاط كثيرة تستحق التأمل .
و نظريات الفلاسفة ركزت على عوامل معينة ربطتها بالضحك وربطت الضحك بها من هذه العوامل الدهشة , التفوق أو السيطرة و التناقض في المعنى و التنفيس عن الطاقة الزائدة .
ماوجدته أن الضحك أحيانا" يكون بكاء , وسيلة للهروب من الخوف أو التغلب على القلق وسيلة للنقد , وسيلة للتشفي والحقد , أو تعجرف وغرور , أووسيلة للألفة الاجتماعية
من الأشياء الملفته في اقتباسات الكتاب
أنواع الضحك عند العقاد :
" هناك ضحك السرور و الفرح , وهناك ضحك السخرية والازدراء , وهناك ضحك المزاح و الطرب , وهناك ضحك العجب و الإعجاب , وهناك ضحك العطف و المودة , وهناك ضحك الشماتة و العداوة , وهناك ضحك المفاجئة و الدهشة , وهناك ضحك المقرور وضحك المتشنج وضحك السذاجة , وضحك البلاهة , وما يختاره الضاحك وما ينبعث منه على غير اضطرار "
ومراتب الضحك عند الثعالبي
" التبسم أول مراتب الضحك ثم الإهلاس , وهو إخفاؤه , ثم الافترار و الانكلال , وهما الضحك الحسن , ثم الكتكته أشد منها , ثم القهقهة , ثم الكركرة , ثم الاستغراب , ثم الطخطخة , وهي أن يقول طيخ طيخ ( يقصد يضحك المرء مصدرا"أصواتا"من فمه وأنفه ) ثم الإهزاق و الزهزقة وهي أن يذهب الضحك به كل مذهب "
ويذكرني هذا الكتاب بشذرة من كتاب بيجوفيتش هروبي إلى الحرية
"في الوقت الذي اهتزت فيه نابولي من الضحك لعروض الممثل الكوميدي كارلينيا , جاء رجل إلى طبيب مشهور في تلك المدينة للسؤال عن دواء السوداوية المفرطة , والتي أساءت إلى صحته , فنصحه الطبيب بالبحث عن تسلية , والذهاب إلى عروض كارلينيا , فإجابه المريض : أنا كارلينيا .
وببيت عرفته مؤخرا" للمتنبي
كم غر صبرك وابتسامك صاحباً
لما رآك وفي الحشا ما لا يرى
في النهاية اتفق مع فكرة الاعتدال و الاتزان في الضحك ومراعاة مواقعها وأزمانها المناسبة , وعدم المغالاة في الضحك حتى يذهب بالإنسان كل مذهب فيفقد الشخص وقاره وهيبته كما كثرة الضحك تميت القلب ومراعاة المنحى الأخلاقي لأنه بالفعل قد يتسبب بأذية وضيق الآخرين , ولست مع الجد والعبوس المذموم حتى تصبح الحياة كالصخرة الجاثمة على الصدر
فالبشاشة مطلوبة و البسمة تشرق بها الوجوه حتى ولو لم تكن بالغة الحسن
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : تبسمك في وجه أخيك صدقة
ويقول علي رضي الله عنه : روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان