(الرجل يكتب ..............
هذا هو تاريخ اللغة وطبيعة النص الذي اعتبره "عبد الله الغذامي" نص ذكوري .. .. "المرأة واللغة" عنوان كتاب كان مثيراً لي بصراحة وهو سبب قراءتي للكتاب لأن اسم المؤلف لم أسمع به من قبل ولم أقرأ له شيئاً
محتوى الكتاب كالعنوان في غرابته "على الأقل بالنسبة لي" لم أصنف في حياتي النص كنص ذكوري أو أنثوي، ولهذا فهذا الكتاب كان مستفزاً جداً، يدعوا للتأمل والأهم قدَّم عرض ممتعاً لمفهوم جديد كليَّا بالنسبة لي.
يستعرض الكاتب علاقة الأنثي بالنص على مر العصور، ففي زمن اعتبره الكاتب زمن السطوة الذكورية على النص المكتوب، كان تعلم الكتابة بالنسبة للأنثى الحرة شيئاً غير مرغوب فيه، فقط الجواري يتعلمن ما سمَّاه "المكاتبة" ليستعملنها للعشق والغرام .. .. وما تبقى للحرة فقط "الحكي" ولكن بشروط فالمرأة التي تتكلم كثيراً تعتبر سليطة اللسان وبذلك صادر حقَّها و حرمها من القلم واللسان معاً
إلى أن جاءت شهرزاد التي استعملت لسانها بجدارة في إنقاذ نفسها وغيرها من النساء ومارست "الحكي" على مدى ألف ليلة و ليلة بدون أن تعتبر أنها سليطة اللسان وبدون أن يوقفها أحد عن الكلام .. .. ويتساءل "الغذامي" لو أن شهرزاد لم تنجب ثلاثة ذكور هل حافظ شهريار على حياتها بعد الليلة الأخيرة ،هل الأمومة هي من أنقذتها؟! سطوة الذكور في النهاية على النص ولو كان محكي هو ما شفع لشهرزاد وهو الذي أنقذها .. .. وأيضاً الجارية "تودد" بطلة أغلب حكايات شهرزاد التي انتصرت على العديد من الرجال بلسانها وذكاءها لم تتحرر من الرجل لأنها فعلت كل ذلك من أجل سيدها المفلس ورجعت له عبده من جديد رغم وجود الفرصة لتحقيق غير ذلك
بعد ذلك تتحقق الأمنية وتمسك المرأة القلم وتبدع وخصَّ بالذكر باحثة البادية ومي زيادة اللتان لم تتحررا هما كذلك من سطوة الذكورة وجاءت نصوصهم بضمائر ذكورية رغم أنهن يتكلمن عن نساء في كتاباتهم
يستعرض أيضاً الإخفاق الكبير في النماذج النسائية التي تناولتها غادة السمان في نصوصها، لم أستطع الحكم على هذا الجزء لأني لم أقرأ لها
وبعد ذلك عرَّج عن التي تساقط الرجال في روايتها الواحد تلو الآخر "نحن نكتب لننتهي منهم" عن ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، وجدها الانتصار الكبير للأنوثة في نص روائي واحد رغم الزلَّة في نهايتها، تكلم عنها بطريقة مشوقة وممتعة جداً، وبصراحة لكم وددت أن أسأل أحلام هل كتبتي النص بهذا التوجه أم أن نصك كان مثل القول الساخر الذي ذكرته في روايتك ل"كونكورد" :- (لا شيء يسمع الحماقات الأكثر في العلم ... مثل لوحة في معرض) .. هل يا تُرى حمَّل نصك الجميل أكثر مما يحتمل؟! ربما نعم وربما لا، من يدري
ينهي "عبد الله لغذامي" كتابة بأن المحاولات نجحت لحدٍّ ما في تأنيث اللغة ولكنها لن تنجح إلا إذا قمنا بتأنيث الذاكرة، ذاكرتنا الذكورية النصوص .. .. أن على المرأة أن تكتب نصَّها من جديد وتثريه بشخصيات نسائية تضع بصمتها في الذاكرة وتملأها بالشخصيات النسائية الجميلة مثل "سليمة ومريمة" في ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور.. .. ونصوص أميمة الخميس ورجاء العالم (لم أقرأ لهما شيئاً) .. .. وكل ذلك لنتغلب على الأنثى "الجسد، والأغراء" التي سطَّرتها الذاكرة الذكورية
موضوع الكتاب غريب بصراحة .. .. مكتوب بلغة سلسة ممتعة .. .. وجدت فيه بعض المبالغات في العرض ولكنه بصراحة مستفز فكرياً