قراءة أولى للأدب التركي مع أورهان باموق. ثلاثة أجيال من تاريخ تركيا الحديث. جيل جودت بك في نهاية عصر عبدالحميد و قبيل انهيار دولة الخلافة في تركيا حيث تتحول الدولة من سيدة العالم إلى إحدى دول العالم النامي التي تسعى للحاق بركب الحضارة. صراع أفكار بين جودت بك التاجر المحافظ و أخيه الطبيب العسكرى السابق الثوري بامتياز.
أنا لا أحب هذا الشرق. أنا لا أحب الجو هنا. و هذه النفوس الغريبة الغير منسجمة مع نفسي أبدا. يشبه الشرق مستبدا رائعا. يسحب الإنسان إلى الأرض بضوءه القوي و المبهر. فيضطر لتعلم الركوع قبل المشي. و الدعاء قبل الكلام. كم مرة قرأت هذا عليكم. و وجدتموني محقا.
ثم الجيل الثاني و هو جيل الأبناء قبيل الحرب العالمية الثانية حيث رفيق ابن جودت و صديقيه عمر و محي الدين حيث البحث عن الهوية و عن الذات و هل هي في الانسلاخ من الشرق و الانصهار في الثقافة الغربية أم في المزج بين الإثنان؟ هل هي في التخلي عن العاطفة و السعي إلى الحياة المادية و لذاتها أم التحليق في أفاق الشعر و الأوهام؟ هل الإصلاح يأتي بالعصا من رأس السلطة أم بالتنوير لجموع الشعب؟
يا بني أنا لا أفهم كلماتك هذه. ما هذا الذي تسميه تنويرا؟ فهمت التقدم. التقدم مهم. ليتقدم البلد. و لئلا يعكر ما تسميه التنوير الأجواء. ليبق الظلام. ليبق الظلام. و لكن ليتقدم البلد و لتتقدم الزراعة و لتتقدم الصناعة. و إلا فلن يحدث التقدم. أليس كذلك؟ لأن كل ما أُنجز أُنجز بالعصا!. لا يمكن أن يترك كل شيء حر هنا!.
و الجيل الثالث هو جيل الأحفاد في بداية السبعينيات من القرن العشرين و قبل انقلاب عسكري وشيك على الديموقراطية الوليدة و ما زالت تركيا تدور في نفس الدائرة من الحيرة و البحث عن الهوية.
أهذه مهارتي الولاء؟! و لكنه سلى نفسه لخوفه من الخجل: هذا لي أمرا سيئا.أقبل أنني لست ذكيا. و لست أذكى شخص في العالم. و الناس من أمثالي يرتقون بولائهم. و إيمانهم و ليس بذكائهم. خاصة أن العناد و اتخاذ القرارات في بلدنا لا يُقابل بتسامح. لابد أن يودع الإنسان نفسه أمانه لدى من يعرف أكثر. و من يفكر بشكل أفضل دائما. و أن يقدم ولاءه لأحدهم. و يغذي عقيدته. نعم. الولاء و العقيدة.
رواية جميلة بشخصياتها المضطربة و تغطيتها لفترة زمنية كبيرة من التاريخ التركي و من أكثر ما ميزها التركيز على الجوانب الاجتماعية دون الإغراق في السياسة أو الأخبار اليومية التي كانت مغرية جدا لكل من يتناول تلك الفترة الزمنية العامرة بالأحداث الجسام.