البوصلة القرآنية
ملاحظة قبل المراجعة :
( الكتاب موجّه لمن عنده خلفية في علم العقيدة خاصة ، و علم الفقه والتفسير بشكل عام ) فلا أنصح به إلا لمن عنده إطلاع مسبق على هذه العلوم حتى يقدر على فهمه واستيعاب المراد منه .
وبعد .. أقول :
هذا الكتاب ثورة ... إنّه ثورة على " الفكر التقليدي " الذي كبرنا عليه .. اعتبرها الكاتب ثورة على جمود فهمنا لكتاب الله ، محاولاً الإتيان بفهم جديد مغايراً للفهم القديم ، مستوحياً من الآيات معانٍ خارجة عن المألوف الذي تعودنا عليه في كتب التفسير ... وقد كان الكاتب متوقعاً أن يلاقي الكثير من الصَّدّ من رافضي التجديد .. من أصحاب " الفكر التقليدي " كما وصفهم .
ولكن .... ليس الرّفض الذي سيلاقيه الكاتب لفكره المطروح هو آت من مجرد تمسك فارغ ( بالقديم )، وانما هو من التّمسك بصحيح ما جائنا عن النبي ، و تمسك بالفهم الصحيح الذي جائنا ممن عاشر النبي وصاحَبَ نزول الوحي.
باعتقادي .. علينا التفكير مليّاً بالفكرة قبل طرحها في مجتمع قد يعي وقد لا يعي .
لا يمكن طرح الأفكار من غير البحث عن سلبياتها قبل البحث في إيجابياتها ...
فلعل هذا الفكر الذي جاء به الكاتب قد يكون سبباً في ثورة ونهضة ومحرِّضاً على التّغيير لكن تغيير ماذا ؟ تغيير أصول الدين وثوابته ؟ أم تجديد الدين ؟
علّمني الكتاب ألا انبهر بالفكر الجديد من غير إدراك أبعاده الأخرى السيّئة التي يمكن أحياناً أن توصلني إلى الجانب الخاطئ .
أعرف أن الكاتب انطلق من غيرته على دينه ورغبته في إيجاد حلّ لواقع الأمة الإسلامية الأليم ، ومن تألمه من بعدنا عن كتاب الله وعن فهم ما فيه .. لكن بعض الأفكار المطروحة في الكتاب لا أدري ، هل هو ما فكّر بسلبياتها أم أنّه تغاضى عنها ؟
ومع ذلك هذا الكتاب موسوعة ، موسوعة شملت أغلب مواضيع ديننا الأساسية وخاصة التي وقع الكثير من الخلاف فيها، فلا يمكن إلّا أن تجد ذكراً لها في الكتاب ، "هذا بغض النظر عن صحة وجهة نظر الكاتب فيها من عدمه".
البداية منطقية وسليمة ، أعجبني دخوله القوي فيها وتمهيده للكتاب بطريقة شوقتنّي لإكمال القراءة من دون توقف.
لكن ، أوّل ما لاحظته .. بعض المبالغات في التّفريق بين معجزات الرسل السّابقة ومعجزة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم ، حيث جعل معجزات الرسل السابقين على أنها لم تكن سوى تخديراً للعقل وإعلانه العجز والانقياد ، مع أن تلك المعجزات ما جاءت إلّا من أجل إعمال العقل و دعوة للتفكير أن خالق الأشياء قادر على سلبها خاصياتها، فما هي إلا للاستدلال على الإله الواحد وليست هزيمة للعقل .
- في العنصر الأول " السؤال " أصابتني الحيرة في بادئ الأمر وشعرت أن كلامه عليه مآخذ كثيرة ، و بدلاً من أن يكون مرشداً للصواب ... فقد تخبطت التّساؤلات في عقلي.
أحسست أني الآن أطبق نظرية الكاتب في الشّكّ والتّساؤل عن كل شيء.. حتى أن أوّل سؤال خطر في بالي هو : " ما قصد الكاتب من كل هذه المبالغات وكل محاولات الإقناع وكل تركيبات الكلام وطريقة الدخول والخروج من أجل ترسيخ فكرة ، أفرد لها ما يقارب السّبعين صفحة وكان ممكن اختصارها في العشر صفحات كحد أقصى؟!!
تسائلت لماذا لم يرد في ذهن الكاتب أن التّساؤل والشّكّ على إطلاقه ليس هو أمر إيجابي دوماً أو أنه لا يقود دائماً إلى الإيمان واليقين .
فإطلاق حبل السؤال على غاربه سيجعل المرء يسأل أسئلة قد لا يستطيع عقله إيصاله إلى أجوبه عليها بل قد تودي به إلى الإلحاد ، وخاصة مع انتشار الأفكار الإلحادية في مجتمعنا بشكل كبير وتأثر الشباب كثيراً بكلام الملحدين .. فالشّكّ في كل شيء عندها سيودي بهم الى المهالك ..طبعاً بدعم من الترويج الكبير لهذه الأفكار سواء في الكتب أو في الإعلام .
كان على الكاتب أن يحدّد مجالاً للشك وللسؤال ويحده بحدود لا أن يجعله مطلقاً .. فهناك ثوابت في ديننا لا يجوز أن نشكك بها ، وحدود لا يجوز أن نتجاوزها بالسؤال والتّشكيك .
هذا أيضاً مع كون النبي قد حذرنا من الخوض في بعض الأمور ، و القرآن نفسه حذّرنا من التّساؤل عن ما ليس لنا به علم.
لكنّني مع ذلك ظللت أقف موقف وسط ، فلم أنبذ فكرة الكاتب كلّيّاً ، ولم أنحز إليها ، بل توصلت إلى أن آخذ ما أحسست (وتأكدت فيما بعد) من أنّه صحيح ونبذت ما عداه.
فصحيح أن القرآن شجّعنا على التّساؤل ، وكان السّؤال من ضمن منهجه في تكوين القناعات وترسيخ الإيمان الذي جعلنا نصل إليه بعقولنا .. عن طريق إثارة اسئلة معينة .
إنّما ليس كما فسّر الكاتب هذه الآيات بأنها تعني الشّكّ من أجل الوصول لليقين ، بل هي دعوة للتّفكر بالطّبيعة وكل شيء حولنا وبالنفس ، وإعمال العقل للوصول إلى أن الله هو الخالق المتصرف لا معبود سواه ، بيده الأمر.
فالكاتب تجاوز هذه النقطة وقال أن القرآن دعانا للشّكّ في كلّ شيء من أجل الوصول للحقيقة .
وهنا يظهر بوضوح تأثر الكاتب بفلسفة ديكارت القائمة على الشّكّ في كلّ شيء،
فكأنّ الكاتب دعانا إلى نبذ كل ما تعلّمناه في ديننا منذ الصّغر وما نحن عليه من عقيدة من أجل أن نبني قناعات جديدة مختلفة كلّيّاً ...مبنية على ما أوصلتنا إليه عقولنا المجردة من أجوبة .
ونسي أننا قد نصل وقد لا نصل ، فيكون بذلك قد أبعدنا عن ديننا.
وخاصة لمن يشكّكّ ويسأل لا من أجل الوصول إلى الحقيقة ، بل من أجل التّفلّت من هذه الحقيقة ..
ثمّ إنّ تساؤل سيّدنا ابراهيم -الذي أقام الكاتب عليه الفصل كله- إنّما طمح به للإهتداء إلى خالقه ونبذ ما رأى قومه يعبدونهم ، فبحث عن الخالق و تسائل حتى هداه الله وذلك لأنّه لم يجد من يدله عليه إلا بإعمال عقله.
أمّا نحن عندنا القرآن والسّنه ، فلماذا نعود ونشكّك ونتسائل من جديد ؟ لسنا بحاجة لكلّ ذلك وقد بعث لنا ربنا من يهدينا به.. .
من جهة أخرى قد يكون هذا التّساؤل والشّكّ مناسباً لغير المسلمين ، فهؤلاء على اختلاف عقائدهم الباطلة ، من الأفضل لهم أن ينبذوها كلّها وراء ظهورهم ، ويبدأو بالشّكّ والتّساؤل ، علَّهم يصلوا إلى الإيمان الخالص بالله وحده .
فمبادئهم اللّامنطقية التي تشربوها وترسّخت في عقولهم ، هي التي تستحق أن يُشكّ بها ويُتسائل عن حقيقتها وصحتها ، ومن ثم ليصلوا إلى أجوبة تبِّين لهم خطأهم الذي كانوا عليه، إذا كانت تساؤلاتهم صادقة في البحث عن الحقيقة الخالصة ..
- في فصل "البحث عن الأسباب" الذي ذكر فيه بعض لأقوال علماء السّلف الأجلّاء وبيّن خطأهم في فهم الآيات الكونية والقرآنية ، ذكر أنه لا عصمة لأحد إلا عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الجهد البشري محكوم بكونه معرض للخطأ ... وهكذا أقول .. لا عصمة إلا للرسول ، والكاتب غير معصوم عن الخطأ.
لأنني وجدت بعض المغالطات اللامنطقية .
لأنه قام بإجتزاء نصوص لعلماء كبار عن سياقها لتبدو خاطئة و غير منطقية ، ومع ذلك لا يبدو فيها خطأ إلا أن الكاتب فهمها بطريقة مختلفة بعيدة عن واقعها أو أنه أوردها بهذا الشكل لتبدوا كبرهان على صحة فكرته .
و قد لوى أعناق بعض الآيات ليجعلها دليلاً على كلامه ، وفهمها بطريقة مغايرة لما تتضمنه من معاني ، فالآيات في وادي وكلامه في وادي اخر.
لا اتفق مع الكاتب في معنى كلمة الفلاح وإغاظة المشركين بها وأنا أشكّ أن تكون عرب قريش قد فهمت كلمة الفلاح - التي وردت في القرآن كثيراً بمعنى الفوز والنصر -أنّهم فهموها على أنّها فلاحة الأرض واغتاظوا بها !!!
وكلامه ايضاً عن الرعي والتّجارة التي بالغ في ذمّها كثيراً وجعل العمل بها داعياً للكسل متناسياً أن الأنبياء كلهم قد عملوا بالرّعي وأنّها تحتاج إلى عظيم صبر وليست سهلة كما ادعى .. بل إنّ الأنبياء عليهم السلام تدرّبوا من خلالها على الصبر والتّحمل والحلم .
ثم إنّ التّجارة والسّفر في الصحراء ليس بالأمر الهّين ، خاصة مع الطرق البدائية في التنقل.
لكن هذا لا يعني أن هذا الفصل لم يكن قد امتلأ بأفكار الكاتب المبهرة ، أفكار تبيِّن عميق فهمه وسِعة تفكيره وبعد نظره .
-في فصل "الإيجابية " أُعجِبتُ بتحليله لقصة النّبي يونس عليه السّلام ، ورؤيته لمعنى الظلم أنّه متجسد في المظلوم ، فالمظلوم هو ظالم لأنه استسلم للذي يظلمه .
والظّالم هو من يئس وأحبط وهرب.
فمواجهة اليأس والقدرة على التغيير والعمل حتى لو كان من رجل واحد .. هذه هي الإيجابية.
تجسدت إيجابيته عندما قال أن " الظّروف الصّعبة هي التي تخلق التّحدي الذي ينشيء الحضارات" فكان برأيه قيام الحضارات قائم على صعوبة الظروف التي تخلق في النّفوس التّحدي لمجابهتها لا الاستسلام واليأس .
و لكلامه عن سورة هود بأسلوبه المؤثر و النّبرة الحزينة والمشاعر الفياضة تجعلنا نتخيل آلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفكاره ومشاعره التي كانت تنتابه في تلك الفترة " والله أعلم ."
فالكاتب أقام دراسة عن فترة نزول الآيات وربطها بالأحداث الحاصلة في تلك الفترة ، فحلّل تفاعل النبي مع السّورة وأسباب قوله صلى الله عليه وسلم (شيبتني هود) ، و كيفية تفاعله مع سورة يونس ويوسف .
تفسيره للصّبر رائع ، لا كما نفهمه على أنه صبر باعث على السكون والاستسلام بل هو صبر دافع للحركة وللتغيير .. صبر إيجابي لا صبر سلبي .
وصبر على الكفاح من أجل التغيّير.. صبر مشتق من نبتة الصبَّار التي تقهر كل أسباب الموت من حولها من أجل الحياة ، وتنمو ..
تطرق في عنصر الإيجابية إلى مواضيع أخرى ، قد تسائلت أثناء قراءتها عن علاقتها بالايجابية ، لكنه ربطها بطريقة ما بها وخرج بها عن مفهمومها الإعتيادي على أنّها جزء من عقيدتنا .. ليفهمها على أنها جزء من الإيجابية التي تضمنها الخطاب القرآني .. كانت رؤيته لها وبحثه فيها دقيقاً مرهفاً ليجعلها مربوطة بطريقة سلسة ب" الإيجابية "..
(بغض النظر عن صحة تفسيره لها ام لا) .. لكن هذا يشجع على محاولة استخراج المعاني الخفيِّة في النّص القرآني - النّبع الذي لا ينضب - وتحليله واستقطاب الفوائد منه بشتى الوسائل ، لا أن نمر عليه مرور الكرام تلاوة باللّسان من غير حضور للقلب ، ومن غير تفكير بالمعاني . ففيه أسرار التّغيير والنّهضة ، وفيه خريطة الطّريق المستقيم التي لا تحتاج منا إلا إلى التّأمل ومن ثم العمل ..
-جاءت مسألة القدر التي نقد فيها قول السلف الذين وقفوا موقف الوسط بين من قال بالجبرية ومن قال بالقدرية ، ومع أنّها عقيدة أجمع عليها علماء المسلمين جميعهم أنّها التفسير الصحيح لمعنى القدر .. لكن كاتبنا ما اعتبرها إلا أنها لف ودوران وغموض بدل من المواجهة والتّصدي والعمل ، ولكنّه مع ذلك ما زاد عن هذا النّقد ، فلم يذكر ما يعتقده في هذا الشّأن ، لم يُبدِ القول الذي يخالف فيه منهج العلماء الكبار .. فاقتصر على إبداء مخالفته لهم ونقدهم من دون أن يعطي تفسيره " الصّحيح " للقدر .
وقد احتجّ بأن تفسير السّلف للقدر باعث على الكسل والتّواكل ... مع أنه بعيد كل البعد عن ذلك ، ولا أدري كيف فهم أنه يؤدي إلى الفتور مع أنه باعث على العمل ، ولا يمكن لأي عقل تفسيره بطريقة أكثر إيجابية من هذا التّفسير .
ثمّ إنّ ما يقال عنه حقيقةً أنّه باعث على الكسل والتّواكل.. هو تفسير القدرية والجبرية ، أمّا تفسير علماء السّلف فقد كان يقف ضدّ هذين الفريقين وكان متوسطاً بينهم ، وهو أقرب تفسير ممكن غير معارض للقرآن ولا للسنة .
لو أن لدى الكاتب تفسيراً أفضل وأكثر إيجابية لكان طرحه في كتابه، ولما اكتفى بمحاولة الخروج عليه من غير تقديم فهم آخر بديل عنه . وعلى عكس عادة الكاتب و جرأته في طرح أفكاره وفي الإسهاب والشّرح والتّطويل .. لماذا اكتفى هنا بالمعارضة فقط ؟..
- عنصر الحسّ المقاصدي ، نعم هذا ما تحتاجه الأمّة ، وروده في الكتاب كان رائعاً ..
فأمّة الصّلاة بحاجه لأن تعرف المقصد من وراء الصّلاة ، أن تعرف أن الصّلاة ليست هي الغاية بل هي الوسيلة.
أن لا تقف على هذه الوسيلة كما وقف بنو إسرائيل على صفات البقرة ، ناسين القصد من ذبحها ،منشغلين بالوسيلة عن المقصد النهائي ..
هكذا كان فهم الكاتب للبعد الآخر لقصّة البقرة ، لا كفهمنا أنّها قصّة حصلت وانتهت .. وهكذا يكون الفهم للصلاة ..ولسائر العبادات.
بعد ذلك .. بالنسبة لما قاله عن فعل سيّدنا عمر في "تجاوزه لحرفيّة النّص إلى الغاية منه" كانت لشخص لن يكرره التّاريخ حتّى أن ّباقي الصحابة رضي الله عنهم لم يقلّدوه في ذلك .. هذا شخص قد فهم المقصد من وراء كل حكم وكل آية وكل حديث ، شخص عاشر النّبي وعاصر أسباب النزول وعرف السّبب من وراء كل حديث قاله النّبي ..
فمن أين سيأتي شخص مثله الآن حتى يستطيع أن يفعل فعله ؟ المسألة ليست مسألة عالِم وكفى ،.، فلا أعتقد أن هذا ممكن تكراره في زماننا ، لأنه لا يوجد شخص مثل سيدنا عمر ، فعلينا ألا نعمّم هذه الفكرة لأنّها قد تكون منفذ لأصحاب الأهواء للتّنصل من بعض أحكام الدّين بحجّة الوصول إلى الغاية ، وهذا ما يفعله بعض علماء اليوم المزعومين .
أوافق الكاتب في مقطة أن التجديد لا يعني التَّفلُّت ، والأمثلة التي ضربها منطقية جداً .. وأفكاره صحيحة ، لكن تحتاج ألّا يقوم بها أي أحد ولا تكون مطلقة وعامة في كل أحكام الشريعة .. فكما يكون فيها النَّهضة والإتّباع الصّحيح للدّين ومعرفة المقصد من كل حكم ، لكن فيها من الخطورة ما فيها إذا أخذت على إطلاقها .
كلامه على معاوية لا استطيع التّعقيب عليه لأني ما عندي المعلومات كافيه للنّقد ، لكن بإحساسي أظن أن هناك مبالغات عدا عن التطويييييل في الكلام على سلبيات معاوية وجعله سبباً وبداية لسقوط الحضارة الاسلامية .
-في قوله أن فقه النهضة لا يعطل النصوص بل يؤجّلها مستشهداً بقصة الخضر وكيف أنّه أجّل الحكم الشرعي لحين إزالة الظّلم الأكبر ، ومستشهداً بفعل سيّدنا عمر بن الخطاب ... أعود فأقول من هو الذي يماثل عمر الآن ؟ أو من يملك علماً كعلم الخضر الذي فاق نبيّ الله موسى .. وهو نبي !! فأين سيأتي في زماننا من هو مثلهم ؟ من يملك العلم والفهم حتى يستطيع من خلالها تأجيل النّصوص ؟ مع كون الخضر ما فعل ما فعل عن أمره ، وإنّما بوحي من الله .. وإلا كأنّ الكاتب يقول : أننا إذا وجدنا ملامح كفر وجحود على ولد من أولادنا علينا قتله حتى نتقي شرّه عندما يكبر !! وهذا مستحيل .. لن نستطيع تأجيل النصوص ليس بيدنا هذا الأمر ، وإلا لكان لكل واحد أن يتحجّج أنّه فَهِمَ الواقع بشموله وأنه سمح لنفسه بتأجيل النص .
جميل أن نرى سورة الكهف كرؤية الكاتب لها .. سورة اعتدنا قرائتها في كلّ جمعة ومع ذلك لم يخطر ببالنا ما اكتشفه فيها من مراحل وخطوات للنهضة .. متمثلة بالفكرة التي يجب أن نحميها ولا نخرجها قبل وقتها المناسب كما حمى فتيان الكهف فكرتهم حتى يحين وقت ظهورها.
ومن ثم الثّبات على المبادئ ، وعدم الانبهار بما بني على غير ثوابت مهما تطاول وبدا براقاً ، كما في قصّة صاحب الجنتين .
بعدها قصّة موسى والخضر ، قصّة السّعي في تطبيق العلم على الواقع و الرّؤية الشّاملة للأحداث ، لا الرؤية التجزيئية . ف"الذّوبان في الواقع مع الرؤية التّجزيئية للأحداث لا تمكنّنا من إعادة التّشكيل"
وبعدها كانت أعلى مراحل النّهضة المتمثلة بقصة ذي القرنين .
الكتاب رائع بحقّ وذلك لعمق الفكرة والنّظر فيما وراء النصوص ، وأيضاً أسلوب الكاتب وطريقته في جذب القرّاء وقدرته على التّحكم بعاطفة القارئ لإقناعه بفكرته ، واستغلال نقاط ضعفه في بعض الأحيان !! .. هذا يشدّني ويشدّ الجميع -في اعتقادي- إلى عدم الإكتفاء بكتاب واحد .. بل يدفعنا للانتقال إلى غيره من إبداعات أحمد خيري العمري .
لكن على أن ؛ " نتمسّك بالثّوابت " وألّا نقبل بالفكرة إلا بعد دراستها و التّأمل بأبعادها .