" هناك كثير من البشر وقليل من الافكار " عبارة صاغها كونديرا في سياق رصده لصعوبة اثبات الانسان لنفسه أصالة أناه وفرادتها كون اساس الانا ليس الفكر بل المعاناه و تسخيفه لعبارة " انا أفكر اذا انا موجود " كونها صادرة عن مثقف يستخف بألم الأضراس على حد توصيفه ، فرادة الأنا وصفاتها واصالتها موضوع جوهري في الرواية .
اسمح لنفسي باعادة صياغة العبارة لتوضيح الفكرة التي اود ان ارتكز عليها في هذه المراجعة " هناك كثير من الافكار قليل من الأحداث " كل هذه الافكار على تفاوت عمقها واهميتها دمجها كاتبنا وحشرها على مدار احداث الرواية ، لا أنكر ان تمكنه من ذلك امر مثير للاعجاب بل مبهر ولكن هل كان هذا ضروريا ؟؟!!
هي رواية الدروب وليس الطريق الواحد وعن الفرق بين الطريق والدرب يحدثنا كونديرا حديثا مميزا وممتعا ، فالطريق مجرد خط يربط بين نقطتين فالطرق لا معنى لها في ذاتها ، ما له معنى هو النقطتين فقط ، يضيف كونديرا ،اما الدرب فهو اشادة بالمكان كل قطعة من الدرب تمتلك معناها الخاص .
هي رواية غير قابلة للاقتباس وهي فرصة يغتنمها كونديرا "ففي ايامنا هذه التي ينقَض فيها الناس على كل ما يُكتب ليحولوه الى فيلم او عمل درامي وبما ان الجوهري بالرواية هو ما لا يمكن التعبير عنه الا بالرواية ، لا يبقى في الاقتباس الا ما هو غير جوهري " .
يبدو ان كاتبنا تطرف في حرصه على ان تكون الرواية رواية دروب وغير قابلة للاقتباس كما ذكر بالفقرتين اعلاه (انا بدوري اصب اللعنات على التوتر الدرامي ووحدة الحدث والتسلسل السببي الواحد الذي تقوم عليه الاحداث وامقت كل روائي يفكر في الفيلم المقتبس عن روايته وهو يقوم بكتابتها -دان براون مثلا- ) لكن هذا لا يعني ان تكون الرواية عبارة عن فسيفساء يضع فيها كونديرا كل هذه الافكار دون ادنى حد من التسلسل السببي اقول الحد الادنى فقط ولا اكثر من ذلك .
يتطرف كونديرا في اهمية الحدث العابر فيضيع النسق ففي كل حدث عابر في الرواية كنت اعلم انه ليس عابرا عند قرائته واعلم في معظم الاحيان نتيجته بعد قراءة اسطر قليلة بعده فتبدو الصفحات التالية مملة وخاصة ان الدروب التي صنعها لنا كونديرا متفاوتة فمنها ما هو عميق وممتع وأخاذ ومنها ما هو بديهي و سطحي وممل .
رواية الخلود ليست خالدة .
"هز غوته كتفيه وقال بنوع من الزهو :
-قد تكون كتبنا خالدة بمعنى من المعاني .
وبعد صمت قصير اضاف بصوت خفيف
-لكن الامر لا يعنينا ."