الفكرة الرئيسية تدور حول المحبط الثائر من عالمه المهيأ للانخراط في الجماعات الثورية والجماهيرية بكافة أنواعها، اجتماع بعض الظروف الداخلية (النفسية) والخارجية، يجعل المرء مهيأً ليكون “مؤمنا صادقا”، والمؤمن الصادق في تعريف الكاتب هو: الإنسان ذي الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل القضية المقدسة.
الكتاب بشكل عام رائع، يتشابه مع كتاب سيكلوجية الجماهير في الموضوع العام، ويختلفان في أن هذا يتحدث عن الفرد المنخرط في الجمهور كفرد بحد ذاته، بينما الآخر يتحدث بشكل أكثر عمومية عن الجمهور المتكون من العديد من الأفراد، قراءة الكتابين مثرية تعطيك تصورين تفصيلي وعام عن الحركات الجماهيرية، الكاتب ذكر بنفسه أن كتابه من الممكن أن يحتوي على “مبالغات” وأن ما فيه مجرد أفكار، فهي تقبل النقاش وقد يتبين خطأها، رغم هذا تجد في كتابته العديد من النقاط المهمة التي يأكد الواقع صحتها. في نظري كان يمكن تنظيم محتوى الكتاب بطريقة أفضل، الترجمة جيدة والهوامش التي أضافها المترجم كانت مثرية للكتاب.
تعطي الحركات الجماهيرية آمالاً ووعود مستقبلية مما يجذب المحبط واليائس من نفسه، الذي يميل للرغبة في تغيير العالم المتسبب في بؤسه -من وجهة نظره. الدخول في الجماعة يعطي أفرادها الشعور بأنهم قوة لا تقهر وتشكل أفرادها على هيئة مؤمنين صادقين.
من الممكن أن يكون هؤلاء المنخرطون فقراء - فقراً غير شديد مع كونهم أحراراً ليسوا عبيدا، أو من الممكن أن يكونوا عاجزين عن التأقلم عجزاً دائماً (وهم الذين لا يستطيعون تحقيق الشيء الذي يصبون إليه بسبب نقص في الموهبة أو عيب آخر لا يقبل العلاج)، أو منتمون إلى الأقليات التي قررت التفكك والذوبان في المجتمع، أو حتى من الممكن أن يكونوا من الملولين (من يشعرون بالفراغ والملل وخواء الحياة)، أو مرتكبي المعاصي الشاعرين بالندم. إذاً العامل المشترك بينهم هو كما ذكرنا الإحباط أولاً ويضاف لهذا الشعور بالظلم ،أو الشعور بالندم، أو الشعور بانعدام المسوغ للحياء، أو الشعور بالاجدوى وعدم الأهمية، وهذا ما يجعلهم يودون الفرار من ذاتهم، ومن الممكن أن يتخذ فرارهم في حال عدم وجود حركات صاعدة. أشكالاً أخرى كالانحراف لحياة الجريمة مثلاً.
ذكر الكاتب عوامل تزيد من استعداد الفرد للتضحية بنفسه وتشجعه على العمل الجماعي، وعند إسقاط هذه العوامل على واقع الحركات الثورية حولنا نجد الواقع مصداقاً لها، فمثلا احتقار الحاضر وإظهاره كمرحلة مؤقتة وعابرة بين ماضٍ عظيم نريد إعادته ومستقبل عظيم سنصنعه، فهذا الهوس بالماضي والمستقبل يسلب الواقع حقيقته. فيؤدي لتبسيط وقبول مسألة التضحية بالنفس، وأيضا تعميق الشعور بالكراهية نحو عدو واحد أجنبي وقوي والذي بدوره سيسهم في توحيد العناصر المتنافرة في الحركة. كما يشير الكاتب إلى النزعة التبشيرية والرغبة في ضم كل من حولنا للعقيدة أو الحركة الجديدة، حيث يأتي هذا السلوك -عاطفي المنشأ -من شك وشعور بعدم الثقة في صميم الحركة ويغذي هذا التصرف بالتالي من إيماننا.
في القسم الأخير من الكتاب ذكر الكاتب هوية منشئي هذه الحركات خلال مراحلها، فالمحرضون للحركات الجماهيرية هم النخبة المثقفة (رجال الكلمة المبدعون)، فهم يوجدون القبول -بعمد أو من دون عمد-عند الأفراد، ثم بعد ذلك يأتي دور المتطرفين يقودون الحركات الجماهيرية وتكون صفات المؤمن الصادق متمثلة فيهم (هؤلاء هم رجال كلمة غير مبدعين نالهم الإحباط، هتلر مثلاً كان رساماً والعديد من القيادات العليا في النازية كانوا يحبون الكتابة الأدبية ولكنهم كانوا فاشلين!) ، يتبنى هؤلاء الأفكار النظرية للمثقفين بطريقة يمكن الا تعجب المثقفين أنفسهم ،في المرحلة الأخيرة يتولى رجال العمل حكم الأمور ويميزهم نجاحهم في حفظ الأوضاع الجديدة بما هي عليه .
الإشارات لأثر الثقافة والوعي في تحصين الفرد من الانضمام للحركات الجماهيرية كانت متواضعة، اضن الكاتب لم يقدر القيمة الحقيقية لهذين العاملين. يشير الكاتب في موضع آخر أنه حتى من انضم عنوة بالقوة والقمع ستتمثل فيه صفات المؤمن الصادق وسيدافع عن العقيدة، بل من الممكن أن يكون دفاعه بقوة أكبر من دفاع من انضم طواعية، ويتظح هنا أنه جانب الصواب، من يدخل عنوة نتوجس منه عدم الولاء والنفاق وليس ما ذكر .
لا يخلو الكتاب من بعض التناقض ايضا إذ يذكر الكاتب أن المؤمن الصادق لا يريد الحرية وإن رفع شعارها، وأنه متعطش لحكم ديكتاتوري قوي، ثم يذكر لاحقاً أنه من الممكن أن ينشأ مجتمع ديمقراطي يدعم حرية الفرد من الحركة الجماهيرية بشرط أن لا تأخذ هذه الحركة زمناً طويلاً وأن تكون أهدافها واقعية وحية في نفوس الأفراد، في اعتقادي أن سبب هذا التناقض الظاهري يعود لخطأ الكاتب في عدم التقسيم الواظح لنوع الأفراد في الحركات الجمهورية، فالخلفية الاجتماعية والحالة النفسية والعلمية للأفراد تؤثر في طبيعة المجتمع المبني بعد الحركة الجماهيرية.