ناقش علي الوردي في كتابه فكرة "الوعظ" التي غالباً لا تكون منصبة في مكانها الصحيح. فعادة ما يقوم وُعاظنا بوعظ الناس بأمور خيالية أو بأمور هم لا يقومون فيها. كأن يعظوهم بأن يكونوا زهاداً في الدنيا في حين أن الواعظ يكون صاحب تجاربة ضخمة ويجري ويبحث عن المال والشهرة بأي طريقة كانت. إضافة لهذا فالوعاظ غالباً ما يقومون بوعظ الفقراء والبُسطاء من الشعب تاركين الحكام وأصحاب النفوذ والأموال يمارسون ما يحلو لهم من الخطيئة، والأدهى من ذلك أنهم غالباً ما يقومون بمدحهم أو يبحثون عن مبررات لما يقومون بهِ ويمارسونه من الحرام.
ولهذا يرى الوردي أن الإنسان العربي وتحديداً المسلم أصابه الانفصام أو الازدواج في الشخصية؛ فالبداوة على سبيل المثال علمته أن يكون متكبراً ومتعالياً على عكس ما جاء بهِ الإسلام من تعاليم تحث على التواضع، فهو يرى أن النفس البشرية من الصعب أن تتغير أخلاقها فقط لدخولها في دين جديد، مما جعله يحاول أن يُخبرنا أن الصحابة هم بشر مثلنا وكانت لديهم أخلاق سيئة قبل الإسلام ولا يعني أنهم تركوها بعد دخولهم في الإسلام، فهم ربما يتحاسدون أو يكرهون بعضهم البعض أو يغضبون لأنهم في نهاية الأمر بشر مثلهم مثل غيرهم وليسوا ملائكة أو معصومين من الخطأ كما يحاول الواعظون أن يخبرونا.
الكتاب ورغم ذلك ففكرته الرئيسية تمحورت حول فترة حكم عثمان بن عفان وفتنته ولم يتحدث عن الفكرة التي كُتب الكتاب من أجلها إلا في الفصول الأولى وبضعة فقرات لاحقة.
ورغم هذا فالكتاب احتوى على الكثير من الأخطاء التاريخية وحتى الأخطاء التي أراها غير منطقية ولا تستند إلى أساس علمي؛ فمثلاً قال الوردي في مقدمة الكتاب أن المجتمع الذي يشتد فيه حجاب المرأة يزداد فيه الانحراف الجنسي وهذا تعميم لا يستند إلى أي أساس علمي دقيق، فلو أخذنا نظرة على الانحراف الجنسي في العالم سنجد أنه يتوزع ويتركز في دول غير إسلامية ولا يوجد فيها حجاب أو غيره فحجته ليست في محلها أبداً وغير معقولة.
قال علي الوردي في كتابه أن عثمان بن عفان كان يأخذ من مال بيت المسلمين ما يحلو له من الأموال، أي بمعنى آخر كان عثمان "ينهب" المسلمين كي يصرف على أهل بيته وأزواج بناته، وهذه حجة باطلة وغير دقيقة تاريخياً، فكلنا نعرف أن عثمان كان شديد الثراء.
ثالثاً قوله أن أحد مسببات الانقلاب على عثمان توليته لأقاربه، وعدد أقارب عثمان الذين تولوا مناسب عالية في ذلك الوقت قليل، ومعاوية بن سفيان على سبيل المثال كان والياً على الشام بأمر من عمر بن الخطاب.
رابعاً عن نفيه لأبي ذر، فأبو ذر اختار أن يذهب للزبدة من تلقاء نفسه ولم يكن ما حدث نفياً.
وغيرها من الأخطاء التاريخية الكثيرة. وأعيب على الكاتب أنه استند بشكل كبير في هذه الطعون على كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين، وهو كتاب في رأيي الشخصي غير دقيق أبداً ومليء بالأكاذيب ويحتاج لمطلع وباحث يقوم بقراءته ونقده في ورقة علمية أو كتاب آخر.
على القارئ دائماً أن لا يصدق ما تأتِ به كتب التاريخ قبل أن يتحرى ما جاء فيها ويقرأ من مصادر مختلفة ومتعددة؛ فأغلب تاريخنا مكذوب.