منذ بداية الرواية وجدت صوت منير يطنطن فى أذنى بلا انقطاع اللى بناكى ما ماتشى .... إمشى يا أزميله إمشى .... و انقش فى ليل الأصيله
هو صراع الهوية و لا شك. تلك الهوية التى اقتربت على التلاشى لولا الأزميل الذى بقى فى يدنا رغم طغيان النفط على كل شىء.
ليست الأزمة هى فقط الرجل و المرأة بل الهوية المصرية و صراع البقاء وسط طوفان النفط العربى و الذى ترمز به الكاتبة للتخلف و الرجعية أو لنقل بصراحة هو المد الوهابى الذى يتغلغل فى كل شىء و لا يقاومه الا الأزميل.
نعم الأزميل رمز الهوية المصرية الذى تحتفظ به البطلة دائما و لا تكف عن الحفر فى الماضى و الحاضر لتعثر على مستقبل ترضاه لنفسها و جنسها و كما قالت نصا على لسان البطلة كان يمكن لها ان تعيش كالنسوة ثم تموت لولا ذلك الأزميل
هى قصة امرأة و لكن ليست كأى إمرأة فهى لم تكن امرأة مطبخ و لا سرير, لا تحفظ الألحان التى تغنيها النسوة فى الحمام. و لا تعرف الحب الذى ينبعث فى قلب زوجها حين يراها تحشو الكرنب. و أكثر من ذلك لم تكن رموشها تهتز حين ينظر إليها رئيسها فى العمل أو صاحب الجلالة. و هذا هو سر أزمتها فالأم ماتت و الخالة هى المربية الحنون التى علمتها الجلوس على الجسر و التأمل فى السماء و كان هذا العقل المتطلع المفتوح هو سر شقائها و تعاستها.
القاعدة الأولى هى أن الرجال يملأون البراميل و النساء يحملنها و البرميل هنا هو برميل البترول فى الرواية أو االرمز كما ذكرت من قبل هو محور شقاء البطلة فهى لا تكف عن حمل البرميل أغلب صفحات الرواية طوعا أو كرها و ان لم تحمله فهى محاصرة دوما بذرات النفط و دخانه كما هى محاطه برموز البطش الثلاثه الزوج و المدير و محقق الشرطة و رابعهم صاحب الجلالة الغائب الحاضر.
حيث أن القصة موغلة فى الرمزية فإن الكاتبة لا تكف عن استدعاء التراث سواء الفرعونى أو الدينى طوال الوقت. كما ترسم لوحات كاريكاتورية للجميع أكثرها تعبيرا الزوج الذى يختفى دائما نصفه الأعلى بالجريدة التى يقرأها دوما و المحقق الذى لا يكف عن الدوران بالكرسى و المدير الذى ينفث غليونه و النساء المتشحات بالسواد و الاستسلام للواقع و التماهى فيه.
كما أن مشهد رؤيتها لجثتها فى المشرحة مشهد كاشف لمدى عبثية الحياة و خلود الموت من وجهة نظر الكاتبة.
تبقى خطيئة البطلة هى رغبتها فى الحصول على الإجازة من كل شىء الزوج و المجتمع و المسؤلية التى لا تنتهى منذ الميلاد و لكنها تحصل على الجنازة بدلا من الأجازه.
أجل خرجت تبحث عن كبريائها الضائع و لم تعد على الأقل حتى الأن.