شهوة الذكرى !!
الكتاب الأول الذي اقتنيته من معرض الكتاب الذي أقيم هنا بغزة !
جذبني عنوانه حتى نهلت من تلك " البئر الأولى " تلك البئر الصافية النقية العميقة
لا يزال طعم (الهيلطية ) في فمي .. تلك التي لم أتذوقها – فعلياً - قبل اليوم
مع أنها ستة أعوام إلا أنها زاخرة حتى أنني من بعدها حظيت عندي
السير بالمركز الأول في اختياراتي وأصبحت لا أتوانى عن اقتناء أي
سيرة ذاتية لأي أديب تقع عليها عينتاي !!
ذلك السرد البديع البسيط الذي أنهلنا منه جبرا ذلك الأسلوب السهل الممتنع
عين الطفل العفوية التي تروي وعقلها متعلق بكل حدث لتودي بك إليه
الشغب الطفولي والعبث في طفولتنا ..
الفقر والبؤس والتقشف في ذكر الأسماء من الآبار إلى المدارس في ذكر
حظيرة الخنازير _ المزابل _ في ذكر قصة الحذاء وكيف يقضي على فرحة الطفل
ولو بمجرد حذاء !! وكيف أثرت على جبرا ليذهب مع امه ليقتني جديداً
آخر ولو كان بخس الثمن !!
وفي كيفية معاناتهم في التنقل وفي أجواء الشتاء والثلج والدلف وغيرها ..
في ذكره ومداعبته لأرواحنا في قصة نعوم .. وحزننا على سوسن !!
قدرته على رسم المشاهد وتدفقها أمام القارئ كأنها يعيشها
في ذكر شوارع بيت لحم وأشجارها التي زادتني عشقاً لها ولزيارتها في
رحلته وهو عائد من القدس وحده وهذه التجربة الجريئة القاسية !!
أضواء الكنائس والقدسيين والأجواء يوم الآحاد والرسامة وغيرها
ذكر طريقة المداواة سواء في عينيه باستخدام _ بول الآدمي _ والجرح ب
_ خيوط العنكبوت _ !! التي لم أعرفها وأشهدها من قبل أنها بهذا البساطة
وبهذا التفنن في كل ما نعده لا يفيد .. يداوي !!
في حياة والده !! ذلك الأب العظيم الصديق ومغازلته له , لأمه .. في حياة
جدته الطيبة الوقورة التي طالما ما دافعت عنه ولبت له رغباته ولو سراً !
في حبه للقراءة والاستطلاع والاحتفاظ بالصندوق الذي تدور بداخله
أحداث _ ألف ليلة وليلة _ وكتاب اللغة الإنجليزية خاصة أخوه يوسف ..
كل هذه وأكثر ومضات من حياة جبرا إبراهيم جبرا لا تجعلك إلا أن تقول
حق لهذا الرجل الأديب أن يكون أديباً إن كانت ستة سنوات طفولية جعلتنا
نركض وراءها فما بال عمراً بأكمله ..
أدرك كم هي عميقة هذه الفترة من حياتنا كم هي ذهبية ..
جعلتني أتمنى أن أكون " هايدي لويد " أغبطها على هذا الإهداء الذي
قورن بانتظار !!
جعلتني أقول صحيحٌ أن الانتظار لعنة لكن لو أنها هنا لكان لي انتظار رحمة !!
رائع أنت أيها الأديب بذكرياتك التي وصلت إلينا ..