من أكثر الكتب التي طبعت على شفتي ابتسامة بلهاء – وهو الوصف المحبب لنفسي – طوال قراءتي للكتاب ، كيف لم أتعثر بعبد الوهاب مطاوع من قبل ، كيف لم يقع هذا الكتاب في يدي وأنا المقبلة على القراءة وكأن بي جوع لا ينضب ، التهم الكتب التهامًا ، اقرأ للقاصي والداني ، كيف تجاهلت اسمه الذي أحاط بي عدة مرات طوال حياتي القرائية ، كيف غضضت البصر عن كتبه طوال هذه الفترة من عمري؟!
ما السبب الذي جعلني أؤجل قراءة هذا الكتاب رغم أن إحدى صديقاتي في عالم القراءة قد نصحتني به وبشدة ، لماذا استبدلته بكتاب " أرجوك لا تفهمني " ليكون أول تعارف بيني وبين عبد الوهاب مطاوع ؟ تلك الأسئلة عجزت عن إيجاد إجابة لها سوى أن الحظ يلعب لعبته دائمًا وأن العمر قصير والكتب الجميلة كثيرة لا تنتهي.
شدني هذا الكتاب من أول سطر في مقدمته ، ولم انتبه لنفسي إلا وقد التهمت 90 صفحة منه ، فهو جرعات من الجمال والبشرى والأمل ، مصباح للتفاؤل والتفكر والتدبر ، دعوة للخروج من الضيق والكدر والنكد.
بأسلوب أقرب ما يكون للنفس ، سهل وبسيط ، يحكي لنا " صاحب القلم الرحيم " نوادره وحكاياته بصراحة وخفة دم بعيدًا عن الابتذال أو السخرية غير المبررة ، يعطيك مفتاح الغد دون أن يمارس دوره كمرشد أو معلم أو حتى أخ أكبر.
جاءت مقالاته متنوعة بين الإنساني والاجتماعي والفكري ، وكلها بلا استثناء علقت ببالي ووقفت كثيرًا أتأمل عباراته واقتباساته لأشهر المفكرين والأدباء ، وكيف يوظفها بطريقة أدبية متقنة بحيث لا تشعر بأنه قد أقحمها في الموضوع بهدف استعراض قوته القرائية أو سعة إطلاعه.
وهاأنذا أقدم اعتذاري – وإن كان لا يجدي بعد رحيله – لهذا الكاتب الجميل والمثقف ، وأعاهد الله أن لا أدع كتابًا من كتبه تفلت من يدي بعد اليوم.