كبرياء وتحامل ..ليست مجرد رواية هى نمط حياة أو لنكن أقرب للدقة تعبيرا هى واقع وحقيقة إنها ما يميز الميم و النون فى ضميرى الغائبين الحاضرين معا هم وهن ..وكما تصقل العربية طابعى الضميرين بذات البداية "الهاء" فإن أوستن ابتدت بلغتها أيضا صفتيهما بحرف ال p ..كبرياؤ هم وتحامل هن ..وليظل التشابك مجردا من أى نيه أو مقصد ولكنه فطرى بطبيعة الحال ..وتظل معه الأرجوحة تذهب تارة لكبرياؤهم وتارة لتحاملهن ..وعلى قدر تيار الهواء بين الطرفين تكون شدة العصف بحبلى الأرجوحة إما لهم أو لهن كأى علاقة طردية تخضع لقوانين خالق هذا الكون .
لخصت جين أوستن فى روايتها وببساطة شديدة كيمياء الرجل والمرأة ..مابين أحكام مسبقة تحاملية تارة وبين كبرياء وغطرسة بلامعنى تارة أخرى ..وجسدت لها شخصيتين لتكون الطبيعة الفطرية لكلا الطرفين هى البطل الأول والأخير ..وتختلف الأوجه دوما ولكن الطبيعة والأفعال واحدة ..وإلى أن يبتدر أحدهما بإنهاء النزاع -فإما ان تتخلى هى عن غطرستها أو يتخلى هو عن كبرياؤه -تبدأ دائرة اخرى فى الدوران ولكن هذه المرة ليست بين طرفى نزاع بل طرفى تشابك فى ذات البيدق ولكن أحيانا يحارب أحدهما الآخر أمر عجيب ولكنه واقعى ..هكذا تسير الحياة !
فى كل امرأة ترى ليز وفى كل رجل تجد دارسى ..وتبدأ الحكاية حيثما تتوقع تماما وتنتهى فى الغالب بذات النهاية ..ورغم تشابه الكثير من قصص الحب أو حتى بدايات التعارف على الأقل فلانزال نقع بنفس الحماقات ونرتكب ذات الأخطاء ..ربما لابد أن تلسعنا النار قبل أن نتأكد من ضراوتها وقسوة لهيبها فهذا يجعل الأمر "درامى"ونحن كبشر نعشقها_أى الدراما _ دونها لايمكننا مواصلة الحياة ..لنعترف بذلك.
ولكن حبى العميق للرواية جاء من بعد مغاير لكل ما قلت أنفا ..لم أعشق بها قصة حب كللت بالزواج أو حتى إننى لم أر بالسيد دارسى _كما تقول عنه بعضهن من الرفيقات_ شيئا من فارس الأحلام ..على الإطلاق ولكنى رأيت أمنية تتحق وهى .. أن يحب الرجل ابتداء العقل الواعى بالمرأة لاحسبها ولا جمالها ..أن يسيطر عليه بشكل لا يستطيع معه المقاومة شعورا بالإحترام لها بل يجبره أن يتخلى عن كبرياؤه ..لينازل وليخضع تحاملها باختبار صعب تخرج منه متيقنة بخطؤها معترفة به بكل رضى وقناعة .. ولذاك السبب فإن أشد مايروقنى فى هذه الرواية هو الحوارات البينية متعددة الرمزية بين دارسى وليز عن أمور شتى جالت بكل شىء حولهم ماعدا حبهم الخفى ..إنه حب من نوع راق حب جمع العقل بالقلب وقلما يحدث هذا ستجدهما وإن تناقضا فى رؤياهما يكملان بعضهما البعض..لتخرج لك الصورة كاملة بلانقصان ..تماما كنفسىّ خلقا من بعضهما ليتكاملا لا ليتطابقا ..هذا هو المطلوب إذا ..وربما كانت أوستن من أوائل من قام بثورة ضد نظريات المرأة التى عكفت حياتها على التجمل شكليا وظاهريا فقط من أجل لفت أنظار الرجال وبدون أدنى مواربة رسمت أوستن خيطا عريضا من أجل أجيال قادمة لتعى وبحق ما يجب أن تعمل عليه المرأة من أجل أن تحيا مرفوعة الرأس شامخة ..تتمتع بنصيبها كاملا دونما نقصان فى حواراتها معه بل وتجبره على الإنصات ..التعلم والإحترام .وهذه الأشياء أهم وأبقى لعلاقة حب تمضى طويلا دون مجازفات بل هى اهم بكثير من إعجاب عابر أو حتى إفتتان شكلى مؤقت ..لا ننكر أنه مطلوب بالطبع .