تجربة أخرى مع الطنطاوي، وهذه المرة في كتابه " فصول في الدعوة والإصلاح".
تتشابه مقالات الطنطاوي بمواضيعها وأسلوبها وحتى في كثير من الاحيان في حجمها، فقد حمل هذا الرجل هم الأمة ومشكلاتها على كتفه، وذلك واضح بين في كلماته، ففي مقالة " الاختلاط في الجامعات" ، تكلم الشيخ عن الشباب ومرحلة الشباب، ومخاطر الاختلاط بأسلوب واضح، حتى قال في نهاية مقاله – وهنا ما كنت اقصده من حمله لهم الأمة- قال: " يا بنتي اسمعي مني، فأنا والله ناصح لك، أنا " صديق المرأة" لا هؤلاء اللصوص". فمثل هذه الكلمات يشعر الواحد عند قراءتها بصدق قائلها وهمه، يخاطب البنت وكأنها أبنته! .. والأمثلة عديدة على هذه المشاعر.
وكما قلت فالرجل يتكلم في أمور يفهمها العامة جميعاً –إلا ما ندر ،في بعض المقالات التي تحتاج لمطلع للإلمام بها- وهو الذي قال في مقاله المعنون " الحكم بالقوانين الشرعية" ، حيث قال: " وطريقتي التي لا احيد عنها هي أن أقول ما يفهمه العامي ولا ينكره العالِم ، وأن أجتنب المباحث العلمية لأن مكانها الجامعات والنوادي لا الإذاعات". فهو اذن يعمل على الوصول إلى الناس أجمع، الآباء والأمهات والطلاب والعمال...الخ ، بأسلوبه السلس، وبلغة عربية وأدبية راقية.
وكما انني اعتقد أن اجمل المقالات هي تلك التي في نهاية الكتاب ، أي تلك التي تحدث فيها عن العربية والإسلام والقومية ..الخ، فهي تجمع بين البساطة في الفهم وقوة الحجة.
إلا أن المقالات ، ولتشابهها في كثير من الأحيان، يجد القارئ بعض الفقرات المكررة أو الأمثلة المكررة – وهذا لا يعيب- إلا أنها لربما بعثت على شيء من الممل عند البعض!. ونتيجة هذا التشابه، ربما حصل الاشكال عند البعض في حال الرغبة بالعودة لمقال بعينه أو فقرة بعينها، فلا يدري القارئ بأي كتاب هي؟!.
والشيء الملاحظ ، هو أن الشيخ يعرض المشكلة أو يخاطب الأدباء والعلماء ، ويشرح الخطر، إلا أنه – في كثير من الأحيان- لا يضع الدواء والعلاج، وإنما يكتفي بالإنذار! وهذا في الحقيقة ملاحظ بشكل قوي في كتب الطنطاوي رحمه الله.
وبالنهاية ، فكتب الشيخ عموماً مشهورة ، وليست بحاجة لشرحها لأحد، فهي واضحة لأبعد حد ، خفيفة الظل على القارئ، لطيفة المعاني، راقية ، تقع في القلب قبل العقل....