كتب الشيخ علي الطنطاوي من النوع الذي لا يمكن أن أقرأه بسرعة.. ليس لصعوبة اللغة بل لكثرة ما أتوقف لأفكر في عباراته وأطبق كلامه على نفسي وأسرح بخيالي قليلا..وهذا ليس أول كتاب أقرأه للشيخ.. بل إنني قرأت بعض فصول هذا الكتاب منذ زمن... لكن هذه أول مراجعة أكتبها في كتاب له ولذلك ستبدو المراجعة بمجملها نقدا لأسلوب الشيخ رحمه الله..
الشيخ علي الطنطاوي واحد من أكبر الأدباء المسلمين المعاصرين – وهم قلة قليلة – الذين برعوا في الأدب كما برع غيرهم من التيارات الكتابية الأخرى بل وتفوقوا عليهم بحسن العبارة وبالموعظة الحسنة والكلام الطيب الطاهر النظيف..
عندما تقرأ للطنطاوي كتابا أو تسمع له حديثا فإن أول ما يجذبك سلاسة الأسلوب وقربه من القلب... فأنت تحبه "من أول كتاب"... ثم تراه يضرب لك أمثالا قريبة من واقعك تستشعر دلالاتها بسهولة..ويصلك المعنى دون أدنى جهد.. وهو لا يجبر القارئ على فكرة معينة بل يعرضها عليه عرضا فيأخذها أو يتركها..
الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. له قلب شاب عاشق... وقلم شاعر أديب....وعقل مفكر حكيم... عاش الشيخ تسعين سنة رأى فيها أحداث عظيمة وتطورات عديدة وعاش شبابه بطول وعرض وخاض تجارب الحب والعشق.... وله عين ناقد بصير القلب.. يلحظ أدق التفاصيل وتستوقفه أبسط المواقف.....ثم هاهو يختزل لنا جميع تجاربه وخلاصة سنين عمره في كتبه وأحاديثه.. ولا يزال قلبه النابض بالحب يخاطبك كأنك ابن له أو ابنة... فتستشعر الحب الأبوي والصدق في النصيحة والإخلاص في القصد..
صور وخواطر... كتاب جمع فيه الشيخ مقالات وخواطر كان قد نشرها بين 1938 و1988 تناول فيها مواضيع مختلفة ومواقف كثيرة.... منها ما هو جاد وهادف ومنها ما هو للتسلية ومنها ما هو فضفضة عن مكنون النفس وعواطف جاشت في صدره فخرجت نثرا أدبيا تصف الجمال والشباب والحب .. ويتحسر فيها على أيام الصبا....
تمنيت لو أنني قرأت هذا الكتاب في وقت نشره.. لكان حبها أبلغ عبارة... فهو يتحدث عن زمن مضى عليه اليوم أكثر من ثلاثة أرباع قرن... وتمنيت لو عاش الشيخ ليرى المزيد من الأحداث والتقدم والتكنولوجيا فيتحفنا بخواطرة وانتقاداته لأدوات هذا العصر الحديث العجيب وأحداثه الأعجب...
أعجبني جدا الفصل الذي قسم فيه الأصدقاء إلى خمسة أصناف.. وأعجبني جدا ذلك الفصل الذي توجه فيه إلى أدباء مصر بأن يرعوا حق الله في شباب وبنات هذه الأمة وأن يهب كتاب المسلمين الملتزمين للدفاع عن الحق والأخلاق والشرف والفضيلة...
كما أعجبني –ومن لم يعجبه؟؟!!- الفصل الذي تحدث فيه عن الحب.. بكل مراحله وتفصيلاته وقصصه ومعانيه السطحية والعميقة...وأحس تحليلات الشيخ علي الطنطاوي بهذا الشأن هي الأقرب حتى الآن للواقع الذي نعيشه والأمثلة التي نراها...
الكتاب رائع بالمجمل وإن كنت لم تقرأ من قبل لعلي الطنطاوي فهو كتاب جيد لتبدأ به....