كنت أحسب أن أبا فهر محمود شاكر شديدا في نقضه لطه حسين حتى قرأت هذا الكتاب البديع لإمام الأدباء مصطفى صادق الرافعي.
ولم أكن أتخيل أن ثمة من يستطيع وصف وشرح وتشريح شخص كما فعل الرافعي مع طه ولم أكن أظن أن يلجم كلام أحد أحدا كما ألجم كلام الرافعي طه ورئيس جامعته، وحسبك أن تقرأ هذا الكتاب حتى تدرك مدى خطورة الاستشراق والذي أدركت خطورته وذراعه الخفي عندما قرأت لمهندس النهضة الإسلامية مالك بن نبي، ولعله من غير المنطقي أن نعزي كل مصيبة نتعرض لها إلى نظرية المؤامرة لكنه من الحمق أيضا أن نتجاهل أن هذه المؤامرة حادثة بالفعل وأن الغرب يصنع له أياد في أوطاننا على كل الأصعدة في السياسة والاجتماع والأدب والدين ولسنا في حاجة إلى ضرب الأمثلة على مر العصور، وكانت تلك اليد في الأدب هي طه حسين في ذلك الوقت وبرعاية الحكومة المصرية الخاضعة.
وستدرك من هذا الكتاب كيف أن الجامعة المصرية حين أنشئت أنشئت لهدف سامي واستغلها البعض لصالحه، والحقيقة أنني لم أكن أستسيغ كتابات طه حسين ولم أكن أجد بينها وبين الروايات المترجمة أو كتابات الصحف فارق ولم أكن أجد بها بلاغة ولا أدب عربي حقيقي.. وكنت أتهم نفسي حتى سعدت بقراءة هذا الكتاب والذي أحسن في وصف كتابة طه حسين،هذا فيما يتعلق بطه كأديب أو مشتغل بالأدب.
أما محور هذا الكتاب وسببه وهو كتاب في الشعر الجاهلي، فقد أحس الرافعي في نقده وفاز في معركته معه ففخرت به الأمة إذ طان هذا الكتاب سبة في وجهها متعرضا بغير علم أوفهم أو بحث أو دراية أو دليل مقنع لدينها، وفخر به أدب أمته إذ نفى عنه تلك التهم الجزافية المتربصة التي اتهمه بها طه في كتابه.
أما عن أسلوب الكتاب، فلازلت كلما قرأت للرافعي أتعلم منه ألفاظا وأساليبا جديدة ورائعة، ومما يشعرك بالروعة أن هذه البلاغة لم تكتب لكتاب بل لجريدة، فهكذا تحفظ اللغة وتتعلم، وكأن الرافعي كان يرد بهذا حتى من حيث الأسلوب على طه وكأنه كان يتحداه وهو الذي يتمطى في لقب أستاذ الأدب أن يجاريه في بلاغته فضلا عن مجاراته علمه ونقده.
بقي أن أنوه إلى أن كتب الرافعي التي أخرجتها دار الصحوة رائعة وقلما تجد فيها خطأ مطبعيا بينما هذه النسخة التي أخرجتها مكتبة مصر بها الكثير من الأخطاء المطبعية فالأفضل اقتناء نسخة دار الصحوة.