مرة أخرى، نحن في طهران، ولكننا لا نتتبع في هذه المرة قصة حب خفية، ولا تتقحم سردنا مشاهد مستعادة من (ألف ليلة وليلة)، بل نحن مع دكتورة متخصصة في الأدب الإنجليزي وطالباتها، اللواتي قررن إنشاء ما يشبه نادي كتاب، يؤين إليه في كل خميس، هناك حيث يمكن للنقاش أن يمتد بحرية، بعدما تقلصت مساحة الحرية في إيران الثورة الإسلامية.
عنوان الكتاب مغري جداً، وخاصة للقارئ الغربي، فلوليتا – رواية نابوكوف الشهيرة – رمز غربي لجرأة الأفكار، وقدرتها على مصادمة القارئ، فأن تقرأ هذه الرواية الإشكالية، وأين؟ في طهران؟ فهذا ما يبدو محاولة للتحرر من إسار الوصاية بجميع أشكالها، ولكن هناك معنى آخر متضمن في العنوان، نفهمه عندما نقرأ رؤية آذار نفيسي لرواية لوليتا ولشخصية (هومبرت)، فشخصية هومبرت التي تتسيد السرد في رواية (لوليتا)، وتبدو لامعة، تعيد نفيسي قراءتها بطريقة بارعة، لتظهر وجهها الآخر، فهومبرت ليس إلا عجوزاً قذراً، يسيطر على لوليتا المسكينة ويغتصبها، ولوليتا ليست كما يظنها الآخرون تلك المرأة اللعوب، لا، إنها مجرد طفلة منتهكة، تنجو في النهاية من جلادها، وتفر بحياتها، فلذا هي بطلة مظلومة.
من هنا يمكننا قراءة العنوان بوجه آخر، بحيث يصبح هومبرت هنا هو الثورة الإسلامية في إيران التي تصنع نموذجاً ترى أنه هو المرأة، كما فعل هومبرت مع لوليتا، والمرأة الإيرانية هي لوليتا المسكينة التي تعاني تحت ممارسات هومبرت وسلبه لحريتها وسعادتها ليطفئ من خلالها صورته هو عن المرأة، وكيف يجب أن تكون.
لا يغيب عنا أن مفهوم الحرية لدى نفيسي غربي بامتياز، فهي لا تكتفي بمعارضة الحجاب المفروض على النساء الإيرانيات، بل حتى منع الخمور ولحم الخنزير !! والذي نجدها تتلذذ بأكله في أحد فصول الكتاب !!
القيمة الحقيقية للكتاب لدي، هي في تفاعل نفيسي وطالباتها مع الكتب، مع نابوكوف وأوستن وفيتزجيرالد وهنري جيمس، كيف يمكن قراءة الكتاب وربطه بحياة الإنسان، كيف يمكن ربطه بالعنف، بالوصاية، بالحرب - العراقية الإيرانية -، كيف يمكن الفرار إلى الكتب، إلى المؤلفين البعيدين ورؤاهم وأفكارهم.
كما أننا نشهد كيف انقلب المجتمع بعد الثورة، وصارت الكتب وشخصياتها تحاكم في قاعات الدرس، وكيف صارت نفيسي تحاول التعامل مع طلابها المتعصبين الراغبين في تجريم الأدب الغربي واعتباره جزءً لا يتجزأ من الغرب الاستعماري.
من أجمل - وأقسى برأيي – ما أشارت إليه نفيسي في حياتها في إيران، هو عندما تذهب إلى المكتبة الوحيدة المتبقية في طهران التي تبيع الأدب الغربي، حيث يحثها البائع على أن تأخذ كل ما تقدر عليه، فكل هذه الكتب ستتم مصادرتها قريباً، مجرد تخيل مشهدها وهي تأخذ بعض الكتب، وتعيد أخرى، وتحسب كم معها من المال؟ محزن جداً لأي قارئ يعرف لذة الحصول على الكتب، وقسوة الحرمان منها.
وكذا علاقتها بمن كانت تدعوه (ساحرها)، وهو أديب إيراني كانت تقضي معه أوقات أدبية وفكرية بامتياز، وكانت تعتد بآرائه ومشورته، وهي علاقة نادرة، يصعب الحصول عليها حد الحسد.
الكتاب مثير، وخاصة في فكرة الارتباط بالكتب، ومحاولة قراءتها بطريقة عاطفية ترتبط بحياتنا