رواية اشبه ما تكون بالسيرة الذاتية وقد لا نعتبرها رواية من الأساس، يقدم فيها الحكيم رأيه في الريف المصري والمرأة المصرية وحديثه عن نفسه وعدم زواجه
أكثر الأجزاء التي أعجبتي كان حديثه مع تلك المرأة عن نفسه وصف رائع وعميق بالاضافة لتحليله المنطقي للأوضاع في الريف المصري والمقارنات التي عقدها مع الريف الفرنسي
ولكن السؤال الذي ظل يتردد منذ البداية لماذا أطلق عليها "حمار الحكيم" او ربما انا لم أفهم المغزى
تجربتي الأولى مع توفيق الحكيم ..
تجربة بسيطة ولا أنكر أنها ممتعة ذات نكهة ساخرة وبُعد فلسفي بأسلوب بسيط ولكنه رائع ولغة بديعة
8 / 11 / 2016
***************
أتريدين أن أبرز لك صورة من نفسي كما أراها؟
إني بناء قائم على ماء جار .. وصرح مشيد فوق رمال .. لا شئ عندي قابل للبقاء أو صالح للإستمرار .. إني لا أقدس شيئًا ولا أحترم أحدًا ولا أنظر بعين الجد إلا إلى أمر واحد: الفكر .. هذا النور اللامع في قمة هرم ذي أركان أربعة: الجمال والخير والحق والحرية .. هذا الهرم هو وحدة الشئ الثابت في وجودي .. إني كما ترين لست رجل مجتمع .. فأنا لست بارع في الحديث ولا حاضر الذهن، ولا ظريف المجلس، ولا أصلح للكلام في الناس، إذا حضرت وليمة فلا ينبغي أن ينتظر مني الحاضرون أكثر مما ينتظرون من طيف يصغي ويلاحظ إذا شاء وقتما يشاء دون أن تسلط عليه أنوار تكشف عن وجوده ..
لقد اختلف في امري من قديم كل من عرفني، ومازالوا يختلفون .. فأنا عند البعض بسيط ساذج .. وعند الآخرين ماهر ماكر .. قال لي ذات مرة احد الملاحظين لأمري: "عجبًا لك .. إنك تجهل الأشياء التي لا ينبغي أن يجهلها أحد، وتعرف الأشياء التي لا يعرفها أحدًا"
وقالت لي صاحبة نزل أقمت أيامًا: " اسمح لي أن أستوضحك أمرًا أحاول عبثًا أن أستقر على رأي فيك، إنه ليبدو عليك، وأرجو ان تغفر لي هذا التعبير، إنك قليل الفطنة، بسيط التفكير، ولكنك أحيانًا أخرى تبدو فوق مستوى من رأيناهم جميعًا هاهنا إدراكًا وتيقظًا وتفكيرًا، أنت ولا شك لغز من الألغاز"
في كل مكان أسمع من يقول عني ذلك .. من أجل هذا فقدت حياتي ذلك الوضوح الذي تقام عليه الحياة الثابتة .. ولقد تأثرت لهذا الغموض في تكوين شخصيتي، فجعلت أطيل البحث في ذلك أنا أيضًا .. فجنحت إلى التأمل الطويل منذ الصغر .. وتقدمت بي الحياة .. فكنت في كل طور من أطوارها أستوثق من أن الطبيعة قد ترددت هي الأخرى في امر تسليحي بهبات واضحة قاطعة .. لقد كان شأني دائمًا شأن "جحش" عثرنا عليه ثم أطلقنا عليه اسم "الفيلسوف" خرج إلى الحياة منذ يومين فانصرف عن وجاجة اللبن إلى مرآة الخزائن يتأمل نفسه !
أنا كذلك انصرفت منذ عهود الصبا عن مباهج الحياة التي تغري الشبان والفتيان إلى تلك المرآة التي أرى فيها نفسي .. على انه تأمل .. هو أبعد ما يكون عن تأمل "نرسيس" لنفسه في مياه الغدران .. لم يكن تأمل الزهو والإفتنان.. بل تأمل الباحث الحيران .. إني من شد الناس تنقيبًا في أنحاء نفسي .. لأني أعتقد أن الطبيعة لم تسخٌ عليّ .. فلم تمنحني لمعانًا ولا بريقًا .. إني جسم معتم أضئ كما تقوليت بما ينعكس علي أديم نفسي من أفكار .. ولا شئ غير ذلك .. أما في الحقيقة فأنا أرض قحلاء جرداء كلها صخور وأحجار، لا يمكن أن يأنس إليها آدميون ..
هل سمعت بأحد يعيش في المجتمع بلا أصدقاء؟ .. أنا أعيش منفردًا بلا أصدقاء لا أرى أحدًا إلا لمامًا، للتحدث قليلًا في شئون الأدب أو الفكر أو الفن .. أناس من اهل مهنتي .. تقضي الضرورة أن ألقاهم .. ما أكثر أيامي وأنا بعيد عن المجتمع، لا أسأل عن احد ولا يسأل أحد عني .. لاني لا أملك صفة من تلك الصفات التي تجذب الناس إليّ أو تغريهم بصحبتي .. فإذا أنفقت الوقت بحثًا وتنقيبًا في أرجاء نفسي الموحشة المقفرة فإنما يدفعني إلى ذلك الأمل في أن استكشف في بعض شعابها معدنًا نفيسًا له شئ من البريق ..