لا أدري...أهو حبي الشديد للروايات التاريخية...أم براعة ذلك العمل الأدبي للقاص سعد مكاوي ؟... الذي جعلني أعيش ليالي قلعة الجبل..أدخل مخادع سلاطينها...أسمع همس الجواري فيها..و صرخات المساجين في أقبيتها...أتجول في القاهرة المنكوبة أبان تلك الفترة...أشم روائح الجثث المصلوبة..ثم أطير لقرى الفلاحين المقهورين....لأرى كيف تكون كسرة الخبز هي الطلب الوحيد...و أسمع صوت كسر عظام البسطاء في مطحنة الحياة...
كيف أبدع سعد مكاوي هكذا..في انتقاءه للألفاظ...و تراكيب العبارات...كيف أستخدم اللغة التي تعود بك كل لفظة فيها إلى مكانها الأصلي...لغة أهل حواري القاهرة و قرى الفلاحين و امراء الجركس و مجاذيب الأولياء....عمل ادبي شديد التميز...
الفارئ للتاريخ لن يعدم الأسقاطات الواضحة لهذة الرواية...عهد أنقلاب العسكر في 1952....و طحن الشعب في سبيل رغباتهم..و تحول سلطان اليوم إلى مسجون و ذبيح الغد....هذا الكم الهائل من المتلصصين و البصاصين و الجواسيس...حتى يظن المرء أن الأخ يبلغ عن اخيه ...فيأتي بالجذور التاريخية للبوليس السياسي و جهاز امن الدولة...أيضا ثورة يناير...و صراع القوى المستمر الذي لا رحمة فيه....رأيت فيها أسقاطاً على أحداث الامن المركزي 1986...على الرغم من أن الرواية كتبت قبلها بما يزيد عن العشرين سنة...و من هنا تبرز عبقرية هذا العمل....التي تتجدد أسقاطاته بتوالى الأحداث...
عمل روائي تاريخي عبقري.....