كم مرة قرأت في العديد من الكتب المدرسية أو غير المدرسية أو الصحف أو الإنترنت أو أي مصدر آخر:
قال الشاعر، قالت العرب، قالوا قديماً، أصاب حين قال، ويخبرنا بيت الشعر، وإلخ
وكم مرة صادفت بيت شعر نُسب لأكثر من شاعر، وحين أردت البحث والتأكد من القائل، تخبطت بشدة من قلة المصادر وتشتتها!
وأذكر هنا كتاباً درسته في المرحلة الثانوية كان اسمه وكان الفصل الأول منه يتناول موضوع الشعر الجاهلي.. حيث يقول الكتاب: بأن الجاهليين أمة بدوية، تروح وترتحل، تعيش في بيئات موحشة وقاسية، بعيدة عن الحضارة والتمدن، بلغة صعبة قاسية وكلمات لا تُفهم إلا بمساعدة المعاجم!
وقد ورد اسم هذا الكتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين في كتب النقد الأخرى التي درسانها أيضاً في المدرسة، وقررت حينذاك أن اقرأه، ولم تحين لي الفرصة إلا هذه الأيام بعد مرور 6-7 سنوات من دراستي لتلك الكتب كمقررات دراسية.
أتفق مع الاستاذ الدكتور في العديد من النقاط، ولقد أقنعني بشدة خصوصاً في فصل الشعر والشعراء حول تخبط مصادر نسبة الشعراء، كإمرء القيس الكندي، وعمرو بن كلثوم التغلبي، والحارث بن حلزة، وعبيد بن الأبرص ومهلهل بن ربيعة وغيرهم...
وأتفق معه أيضاً بما أوره بخصوص أن الجاهليين كانوا أمة متحضرة، لها رحلة اليمن والشام (رحلة الشتاء والصيف) أمة مطلعة على باقي الأمم المجاورة، على مستوى عال من الرقي، وكانت مكة مركز ديني تجاري استراتيجي في تلك الفترات، وأن القرآن الكريم نزل في أمة متحضرة ذات فكر وعقل ولسان، وليس في أمة همجية تعيش منعزلة وسط الصحراء.
وأتفق معه أيضاً في أسباب انتحال الشعر التي أوردها، وبالأخص الأسباب السياسية، والشعوبية، والرواة والقصص.
وأتحفظ بشدة بخصوص ما ذكره عن الأسباب الدينية وقصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ونسب آل هاشم.
وأقف موقف الحياد بخصوص تفصيله عن اللغة العربية، والقحطانيين والعدنانيين.
كان الاستاذ الدكتور طه حسين شجاعاً جريئاً مقداماً في طرح هذه الأفكار الخطيرة التي ربما تغير خارطة تاريخ الأدب العربي، واختار الطريق الأصعب -طريق العقل والمنطق- لمحاولة إثبات وإنارة الطريق للباحثين من بعده عن تاريخ الشعر الجاهلي وصحته.
وأقف وقفة احترام وتبجيل لرئيس نيابة مصر -محمد نور- الذي تولى أمر التحقيق والمحاكمة مع طه حسين؛ الذي جاء رده بعد بحث وتمحيص واستدلال.
يا ترى، لو حدث هذا في أيامنا هذه، هل يوجد مسؤول كمحمد نور لديه الاستعداد والقدرة ليبحث في العديد من المصادر ويقرأ ويطلع في موضوع شائك جداً كالشعر الجاهلي ليرد على مؤلف الكتاب!