كلنا رأي قبور الفراعنة و معابدهم فأين قصورهم؟
يبدو أن المصريين منذ الأزل قدسوا الموت و استهانوا بالحياة فخلف من بعدهم خلفا استهانوا بالموت و الحياة معا و عاشوا في مقابر الأجداد بلا قداسة و لا تقديس.
مؤلف روائي و كاتب صحفي يبحث عن أفكار جديدة لكتاباته و شخصيات غنية لم يُكتب عنها كثيرا من قبل فيجد نفسه في وسط المقابر أثناء شق الدولة لطريق الأوتوستراد الذي اخترق المقابر مما استلزم نقل مئات من رفات الأموات لمقابر أخرى. دبر له أحد معارفه مكانا للسكن بين الأموات و الأحياء على السواء و لا نتحدث هنا بالطبع عن الزومبي أي الموتى الأحياء و إنما عن أحياء يسكنون القبور و يشاركهم في السكن الأموات أيضا و لكن كل في فلك يسبحون.
مجتمع فعلا يكاد يكون كالزومبي لا يشغله إلا أكل عيشه فقط يمشي مغمض العينين إلى قدره راضيا قانعا وسط عفاريت الجشع و الاستغلال و النفوذ و التسلط الأمني و الديني و الاجتماعي بكافة أشكاله.
يدرس هذا المؤلف شخصيات المجتمع باختلاطه التام بهم في جلسات التحشيش اليومية التي اتسع لها صدره و عقله معا و تلقي به الصدفة في أتون مغامرة مثيرة تربط أطياف هذا المجتمع كلها معا من أقصاها إلى أقصاها فتجد أهل السياسة مع أهل الدين مع تجار المخدرات و رجال الأعمال جنبا إلى جنب يسكنون المقابر فيم يمتصون دماء هذا الشعب و يطحنون عظامه على مهل ثم يجرعونه إياها في صورة سموم تدر عليهم الملايين.
لا تخلو الرواية من اسقاطات سياسية عديدة و خصوصا على السيدة هند سليمان التي بدت و كأنها مصر التي يتنافس عليها الفسدة و الطامعون من المتلبسين بالوطنية و الدين أو من أصحاب المناصب و الطموحات غير المشروعة و فتوات الحارات و العربجية و دافني الجثث و حاصدي الأرواح.
حكايات متعددة متشابكة متداخلة تلتقي جميعا في النهاية بحبكة درامية مثيرة و أسلوب أدبي أكثر من رائع.