يصعب تقييم هذه الرواية بأقل من النجوم الأربعة ..
إذ أنها رواية احترافية بمعنى الكلمة، يكتب خيري شلبي فتستمتع بطريقة كتابته، يصف لك الأماكن فتشعر أنه لايبرع إلا في وصف المكان بتفاصيله الدقيقة، ثم ينتقل للشخصيات فتشعر أنه محترف في رسم "البورتريهات" الشخصية بدقة متناهية وبأسلوب خاص جدًا، ثم يعرج بك على الأحداث والمواقف .. فتجد نفسك مأخوذَا بكل مشهد وكلمة وحكاية ..
..
هنا عالم "صالح هيصة" الذي يدور في وسط البلد القاهرة القاهرة، بين مثقفيها من كتابٍ وفنانين، يستعرض بشكلٍ عابر ولمَّاح أهم الأحداث حتى يتوقف عند "البركان" المؤلم بالنسبة له ولجيله ولنا حتى الآن وهو السلام مع إسرائيل!
وعلى الرغم من أن الرواية منذ بدايتها تبدو بعيدة عن السياسية، إلا أنها، وهي المكتوبة في آآخر التسعينات، تفسح مجالاً في النهاية للسياسة لا تخطؤه العين..
يرسم "خيري شلبي" شخصياته بدقة، فعلى الرغم من أن بطل الرواية ذلك الهامشي الضئيل المؤثر "صالح هيصة" إلا أنه يضع شخوصًا آخرين يظل أثرهم باقيًا كـ حياة البري تلك الشخصية النسوية الفريدة، وزكي حامد، قمر المحروقي، حكيم صاحب الغرزة .. وغيرهم وغيرهم ..
.
وعلى الرغم من أني لا أميل عادةً، أو لا أحب تعدد الشخصيات المفرط في الرواية، إلا أن هذا التعدد هنا كان دالاً ودقيقًا .. والرواية تدور حول هؤلاء الفئة من المثقفين وعلاقة الناس العاديين ـ إن صح التعبير ـ بهم، وأثرهم فيهم .. حتى أن شخصية مثل "صالح هيصة" أصبحت تترك طابعها المميز جدًا على تصرفاتهم وأفعالهم ..
يبدو "صالح هيصة" كشخصية أسطورية أحيانًا لاسيما بعد نهايته الدراماتيكية تلك، وما كان يمكن أن يكون عليه حاله، لولا حظه التعس! إلا أنه يصوَّر بشكل حي وملموس حركة الناس في الشارع، تلك الحركة المؤثرة غير الملحوظة على الدوام
ربما يعد بعض الدارسين "صالح هيصة" نموذجًا على حالة عامَّة مرت بها "مصر" بعد ثورة 52، إلا أنه من مفارقات القدر .. أن "الهيصة" تبدو ملازمة لمصر، وشخصية "صالح هيصة" لاشك لازالت بيننا في أماكن عديدة من مقاهي المحروسة بعد ثورة 2011، ولايمل التاريخ من التكرار !!!
.
شكرًا خيري شلبي .. وقد رحلت
.
رحمة الله عليك