..مصافحتي الأولى مع الرواية اللبنانية..
( سبايا نحن في هذا الزّمان الرخو
لم نعثر على شبه نهائي سوى دمنا
ولم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيًّا
ولم نعثر على ما يجعل السجان وديًا
ولم نعثر على شيء يدلّ على هويتنا
سوى دمنا الذي يتسلّق الجدران
ننشد خلسة:
بيروت خيمتنا
بيروت نجمتنا )* محمود درويش
انتهيت قبل قليل من هذه الرواية والتي يتناول فيها الكاتب عن عشوائية الهوية أثناء الحرب الأهلية في لبنان.بطل الرواية ذو انتماء متعدّد وجد نفسه سجيناً بين هويتين مختلفتين حاول أن يتخطى تلك الحواجز الطائفية إلا أنّه راح ضحية عبثية الحروب التي لم تترك أحداً لاسيما اللاّمنتميين..
( جفّ الماء عن بنطلون نظام وبقي الدم. فُتحت الطريق وانطلقت الحافلة مجدداً، سيدخل بيروت والدماء لركبتيه كما يقال. ) - ص84..
أبرز ما يميّز في هذه الرواية هو أنّها ليست لزمن معين فما زال هناك شريحة كبيرة مثل " نظام العلمي " شرداء المنازل..
يركز جبّور الدويهي في هذا العمل على الأمنيات التي نتمنى لو أنّها تتحقق.وهو الإيمان بمبدأ الوحدة الوطنية التي لا تقبل أي تجزئة، والابتعاد عن النزاعات الطائفية، فالمحبة والحرية والاحترام المطلق لكل العناصر المكوّنة للهوية هو غاية الإنسان وجوهر وجوده..
أيضاً يتضح في هذا الكتاب عن خلل العلاقات التي تُبنى على صراعات ممزّقة وجارحة، أولها بين والدين "مسلمين" انشغلا بالتهريب والمحاكم وسوء الأحوال في عناية واهتمام بإبنهما، وبين والدين "مسيحيين" لم يرزقا بطفل، إلا أنّ نعمة وجود نظام بينهما كان عوضاً لهما عن الحرمان والذي هو الآخر التمس فيهما حنان الكون كله ونشأ في ظلّهما..
لم يكتفي جبّور عند هذا الحد بل رسم الهوة العميقة التي تحدث بين الأخوة.فبموت محمود العلمي لا يدرجان أخوة نظام اسم أخيهما الكبير في بيان النعوة، ويفكران في حرمانه من الميراث، بسبب حيرتهم في أمره.هل هو مسلماً مثلهم أم أنه مسيحياً؟!..
( ينقبض، يغمض عينيه من الحسرة، يضيف أن توما و رخيمة يطمرانه بالمال، ليس لديهما غيره. لن يقول لخالد إذا كان مسلماً أو مسيحياً، هو حرّ في ما هو فيه. لا يريد منهما شيئاً سوى الحقّ في العودة إلى هذا البيت في يوم من الأيام، ربما لن يعود أبداً لكنه يريد أن يشعر بأنه قادر على المرور فيه، النوم فيه يوماً. ) - ص 206..
أبشع مايقترفه العقل البشري ليس هدم المنشآت والأحياء السكنية وحسب، بل هدم الإنسان وتحطيمه لأنّه فقط أراد أن يكون بين الجمع ليس ملغياً أو مشطوباً. أراد أن تكون له حياة يعيشها بهدوء. حياة خالية من عبثية الإنسان..
( الحرب: تهدم مسرحيتنا لتلعب دون نص أو كتاب
والحرب: ذاكرة البدائيين والمتحضرين
والحرب: أولها دماء
والحرب: آخرها هواء
والحرب: تثقب ظلّنا لتمرّ من باب لباب.. )*محمود درويش