ينفطر القلب عندما يقرأ أن محمود كان لا يريد لقصيدة حياته أن تنتهي. في هذا الديوان الذي جمعه أصدقاؤه بعد موته، يتوسل محمود درويش للموت أن لا يأتيه برغم مرضه في القلب، فيقول "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي..." وذلك بعد أن يكون قد حاور الموت: "فقلت له كان ليلي طويلا فلا تحجب الشمس عني، وأهديته وردة مثل تلك، فأدى تحيته العسكرية للغيب، قال إذا ما أردتك يوما وجدتك فاذهب...". وفي قصيدة أخرى من هذا الديوان (في بيت نزار قباني) يذكر حوارا له مع نزار قباني، الذي كان قد مات قبله بسنين، يقنعه ويرجوه ألا يموت الآن، إلا أن نزار يصر على الموت ويوصي محمود بأن "ينتظر، ويعيش بعده فلا بد من شاعر ينتظر..." وقد وافق محمود حينها ألا يموت، ولكن، وبعد 10 أعوام، ما كان للموت أن ينتظر أكثر، كما عرف محمود.
بشكل عام في هذا الديوان ملاحظ بوضوح تغير موضوعات محمود درويش من الوطنية الثورية والإشتياق لبيروت والمرأة الأولى إلى وصف الماضي والحاضر وإلى تناول مسائل أكثر فلسفة. حتى أنه ينقلب - في هذا الديوان ، أي بشعره المتأخر -على نفسه، فيقول: "وطنيون، كما الزيتون، لكننا مللنا صورة النرجس، في ماء الأغاني الوطنية".
أخيرا، فما أعمق هذا الرجل في القصيدة - العظمى برأيي الشخصي - التي سماها هو "لاعب النرد"، فيصف فيها نظرية الفوضى أو نظرية الشواش بوصف أبلغ من وصف هنري بوانكاريه نفسه:
كانت مصادفة أن أكون
أنا الحي في حادث الباص
حيث تأخرت عن رحلتي المدرسية
لأني نسيت الوجود وأحواله
عندما كنت أقرأ في الليل قصة حب
تقمصت دور المؤلف فيها
ودور الحبيب الضحية
فكنت شهيد الهوى في الرواية
والحي في حادث السير