تبدأ غادة السمان رحلتها ..بالتجول في دهاليز عقلها أو بالأحرى السباحة في بحيرتها ( وهدف الرحلة ..معرفة أسرار الإنسان في داخله ..وأفكاره بالغيبيات ..ومشاعره المتناقضة والثائرة والفضول للمعرفة لأجل كشف حقائق الكون التي تنكشف من نفس الإنسان أولاً ثم من الفضاء الخارجي )
وللسفر إلى أعماق دماغها ..تستخدم غادة مخدر LSD ( ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك وهو من المهلوسات القوية المؤثرة على العقل جرعة صغيرة جدا تكفي لاحداث اضطرابات في الرؤية، والمزاج والفكر) والمخدر هذا بمثابة "شيطان " ..تركب على ظهره وتغوض إلى داخلها ...إلى أعماقها لنكتشف معها أسرار رؤيتها للعالم الذي من حولها والذي تعيش فيه ..متجاوزة كل الحدود الثقافية والمعرفية والعلمية ...بطريقة أدبية ممتعة , وكأنها في داخلها وجدت فوضى عارمة.. ليست عاطفية , وإنما معرفية , وتلك الفوضى تسمى " حيرة "
وتنتهي هنا الرحلة الأولى ...لتبدأ بعدها بالخروج من عالمها الخاص فيها لتنتقل إلى عوالم أُخرى ( الجنون , والسحر , والتنويم المغناطيسي , التقمص , واسرار طاقة الدماغ , والكائنات الأخرى ) منقلة بين عالم وأخر
.
في رحلة غادة لا نبحث معها في تفسير علمي لهذه الظواهر ,إنما تخرجنا عن هذه الحدود التي فرضها العلم ...بل متحدية العلم بخوراق العقل الطبيعية ..لا بخوراق الآلات والتكنولوجيا ..لتعرفنا على علوم ..لم تثبتها المعادلات الفيزيائية والرياضية ..لكنها ..وبقليل من منطق عقلي ..وآيمان روحي ..تعتقد بصحة بعضها !
(سأدون تعليقي حول عالمين فقط ..من التي آثرت فيي بشكل كامل وجذري )
*الجنون
إذ لم تفهم معادلة فيزيائية هل يتجرأ أحد باتهامك بالجنون أو الهستريا ؟ لا طبعاَ , إذا لماذا تلك النظرة إلى "مجنون"؟ ( بالمعنى الحرفي للكلمة ) هو فقط لم يفهم الحياة ..التي نعيشها ..فانفصل عنها بطريقته غير مفهومة ..وخرج عن المجتمع الطبيعي ..ليخلق لنفسه طبيعة خاصة فيه ..ويعبر عن آراءه بطريقته هو لا نحن ..لا بعقلية القطيع و"المجتمع الواحد" ..فهو يعتبر عن "لا" بطريقته ..ويقول "نعم " بطريقته ...نحن فقط لم نفهم طريقته ..واخطأنا الفهم ..لأننا كما يقال عنا ..معشر العقلاء ؟
في رحلة غادة في هذا العالم ..نمر بقصص "مجانين" ( والذي نكتشف إنهم عقلاء لكن بطريقة أُخرى ) يحكون لنا قصصهم مع فهمهم للعالم ..ومع انشقاقهم لهذا العالم الهستيري والوحشي ..فنجد من خلال هذه القصص والشخصيات ( ومن بينهم أمير الحزن وحسان ) أن لديهم الكثير من المنطق ..و"التعقل" ..بل نجد إننا نحن ..الأكثرية "المجنونة" أمام هذه الأقلية" العاقلة" ..ولأن الأغلبية تطغى على الأقلية ...فحبسناهم ..وعذبناهم ..وصعقناهم بموجات كهربائية ..وغيرها من الطرق المجنونة !
*التقمص
شخصياً لا اؤمن بالتقمص , (ما جدوى الحياة إذ كنت سأنتقل من جسد إلى جسد ..دون نهاية؟ )
, لكن الموضوع نفسه " التقمص " أثار لدي الكثير من الاسئلة حول الروح والحياة ..والفناء
خاص بقراءة القصص التي ترجمتها غادة عن الدكتور النفساني أيان ستيفنسون ( وأنا من أشد المعجبين بآسلوبه في البحث العلمي ) والتي لم تكتفي بالترجمة ..بل أيضاً ذهبت والتقت بأبطال هذه القصص ...مما يزيد في منطقية القصص وواقعيتها
لكن هذا المنطق كله لم يحل اللغز خلف الموت ..والروح ..إذا كانت فانية ( وهذا الذي اؤمن به) أو تنتقل من جسد إلى جسد
( منذ الآمس..وانا ابحث عن شيء من حياتي السابقة !! )
عموماً...أنا آميل إلى الرأي الأول بفناء الروح ..لكن لا أشك بقدرة تنقلها خلال الحياة نفسها ( في هذا الموضوع كثير من الأبحاث والنظريات ..أهمها ما يسمى بالأسقاط النجمي ) ..وفي اعتقادي أن الروح شيء مادي ..ليس مجرد "شيء" عاطفي في القلب
في المجتمع العلمي أجد خير حصيلة علمية ..كتاب "الفرضية المذهلة" للحديث عن هذا الموضوع بشكلٍ وافي