الموضوع ليس فيه سر ، بل هو واضح لكن الغزالي يكشفه للمغفلة قلوبهم والمغلفة عقولهم ، نحن مصابون في ديننا ومثلما قال في المقدمة هناك مواريث فكرية دخيلة على هذا الدين ، من وفاة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام والاسلام يتعرض لهزات وصراعات لكن نحن من نتصدع وننهزم ويظل محفوظ عند من يحفظه .
يبدأ الكتاب في أول مقالة بعنوان أين الخلل؟؟والبحث في أسباب الوفاة وتدبر سنن الله الكونية من القرآن ، فحديث القرآن عن الأمم السابقة وكيفية هلاكها ليس المراد منه التسلية أو انه مجرد كلام حدث لغيرنا بل ما حدث مستمر ليومنا هذا.
اهم اسباب تخلفنا جاءت أن العرب عادوا لعصبيتهم القبلية ولفخرهم بالنسب والحسب وحقهم في السيادة والقتال من أجلها ، وتخليهم عن حكم الشورى واهدارهم لبيت المال على اهواءهم . والمقال الثاني يعرض الخلل في الميدان الاجتماعي عندما عزلوا المرأة عن مكانتها المفروضة في تطويرها للمجتمع وباعتبارها احد اعمدته ، بعدم توريثها او تعليمها او عملها ، وحصرها ومعاملتها كجسد فقط وليس هناك اسوأ من امرأة جاهلة تدير بيتها وهذا ما نراه في اطفالنا واجيالنا ، عندما تشغل المرأة نفسها في الحسد والكيد وتهمل تنشئة ابناءها .
الاسلام جاء للعالمين وللدعوة قبل القتال ، لكن عانى من ضعف شديد في الدعوة والدعاة والفقهاء الأحرار من سلطة الخلفاء ، والفتوح فقدت معناها الحقيقي والحروب غالبيتها كانت لتوطيد الحكم ولاسباب سياسية وعسكرية أكثر منها لنشر الدين الاسلامي وتمثيله كخلفاء له . وعانى المسلمين ايضا من قصور المعرفة والعلم فترجمت العديد من الفلسفات والكتب اليونانية للناس دون أن يكون هناك قاعدة او عقيدة قوية لأن الاسلام دخله الكثير وكان بحاجة وأولى لترجمة الاسلام بدلا من الافكار الدخيلة التي كانت مثل الوباء على المسلمين وظهر المجادلين والمتكلمين وفصل العلم عن الدين بسبب ما تناقلوه عن الغرب هذا ما اخذناه عن الثقافة المادية الفصل بين العلم والحكمة والانانية والفردية .. "إن مأساة العلم الديني لابد من شرحها ، فالقدر المطلوب لتكوين عقل مؤمن وضمير طهور من ومواريثنا التقليدية لم نحسن تحديده بل لم نحاول تحديده." واشد ما يعاني منه الاسلام العلم المغشوش والافكار الدخيلة على الاسلام من السلفية او الجمود أو المنازعات بين المذاهب والخوض في الاجتهادات وهي اجتهادات للتخيير والسعة وليس للاختلاف والقطيعة والتكفير حتى ، والانشغال بأمور سطحية وهكذا يبعدون الاسلام عن ميدانه الحقيقي ويشوهون صورته بظهور جماعات متطرفة في حكمها . " إن ثقافتنا الإسلامية كلها عندما تعرض الآن ينبغي أن تغربل بدقة ، حتى يتساقط التافه في صمت ، ويبقى ما ينفع الناس ...ونحمد الله أن أبقى كتابه محفوظا ، وأن بقيت السنة محروسة من العلماء الثقات والفقهاء الأمناء"
يعرض في مقالة أخرى الحد الأدنى لثقافة المسلم وجملة من الأخلاق يكون الايمان صفرا من غيرها وعمادا في علم التوحيد ، علم الكلام او علم العقيدة لم يحسن صياغة الدين صياغة علمية شاملة يجمع بين الفلسفة الاخلاقية يقوم به الدعاة والواعظين ولا نظام سياسي تقوم به الاحزاب الاسلامية . علاقة المسلم مع الله تتكون من جملة أخلاق لا بد أن تكون في التوحيد وهي خشية الله والصبر والشكر ورجاء الله وتوفير الاسباب وحب الله وذكر الله والتوبة . وهذا باعتباره نهضة فردية ومن ثم تكون مجتمعية.
أكثر فصل أحسست بفائدته في هذا الوقت الحديث عن الإلحاد ، تعرضنا لغزو الإلحاد سببه نحن قبل أن يكون الغرب بعدم فهمنا وعجزنا الفكري والثقافي وتشوشنا في فهم ديننا "أين خلفاء محمد ، لا أقول ليخرجوا العالم من الظلام إلى النور ، بل ليخرجوا أمتهم من الظلام إلى النور"
هذا القسم الثاني من الكتاب يعرض لنا بحرقة كل مسلم يعتز بدينه ويراه يتخلف بسبب فهمه وتمثيله بشكل خاطئ يعرض مشاكلنا من الالحاد لأمراض التدين المنحرف والقسوة في معاقبة المخطئين وغباء متحدثينا وعرضهم باسم الاسلام كلاما يأباه الاسلام . في قضايا المال والعلم والمرأة والحرية ... والشكوى من السخافات والجهالات التي تقع باسم الدين . "السنة النبوية مهرب رحب لمريدي العبث وناشري الفوضى" آه والله وما أكثرهم !! وتجريد العروبة من الإسلام وخفوت صوت العزة بالاسلام ، ودور الغرب في حصر صورة المسلمين كحشاشين ومغتصبين وقتلة في افلامهم .عن فيلم الصقر يتحدث الذي كان قبل المذبحة التي ارتكبت في المسلمين في البوسنة والهرسك !
"يا بني : لا تؤذوا الإسلام باسم الإسلام ، مروا على هذه الآيات واشباهها كما يمر العلماء بالوضوء ، ينتفعون به ولا يعرفون كنهه مهما حاولوا . إن الانشغال بهذه البحوث لون من البطالة المقنعة واستحياء المعارك القديمة هو تجديد لمعارك الهزيمة ! وشغل للمسلمين بما يضرهم ويفيد عدوهم ! ان الآيات المحكمات هن أم الكتاب، فما الذي يصرفكم عن فقهها والعمل بها ، والدخول في متاهات لا معنى لها ؟ " رد الغزالي على سؤال لا معنى له . الغزالي يطمح بوحدة اسلامية ووحدة الشعور في الآم المسلمين في كل مكان لكننا مازلنا في فرقة .
الكتاب جميل ومفيد في تشخيص وتحديد اسباب تأخرنا وسهل أيضا ويساعدنا في تقويم نظرتنا لواقعنا ، كُتب في الثمانينات ومن المؤسف أننا لم نتقدم خطوة واحدة بل للأسوأ والأفكار السطحية عن الدين والتعنت والتكفير والتفسيق والتشدد وقلة فهم الدين التي تحدث عنها الغزالي لم تبقى مجرد نظريات بل طُبقت ونشهدها في داعش مثلا .. مات واستريح!!