رواية من أدب السجون بالطبع ستكون قاسية ومؤثرة ومؤلمة .
من خلال استعراضنا للأحرار والضحايا في السجون وللشخصية الجلاد سيكون لنا رد فعل كالتالي : سيسيطر علينا الشعور بالحقد والكره والثورة الداخلية ! والشفقة والبكاء والرحمة للمظلومين.
لكن النهاية قد تكون مفاجئة لرد الفعل الذي سيطر علينا طوال الرواية ، لأنه جرت مصالحة مع الجلاد عندما كان ضعيفا ولم تأتِ هذه المصالحة بسهولة بل عبرت مخاضا بالغ الصعوبة في نفس البطل "عادل الخالدي" من خلال تذكره لماضيه واكتئابه وحزنه . منيف قلب عالم الرواية والواقع وهو كذلك لا شيء ثابت تتغير الايديولوجيات والثورات والأنظمة والنفوس والإنسان ، فمثلا رفيقه في السجن والتعذيب صار خائنا وتعامل مع الجهاز ! النهاية ليست دائما موافقة لفكر الروائي لكن تستحق التفكير لأن الرواية في الأصل تتحدث عن حيونة الجلاد وفي بعض المواقف يقدم تحليلا عميقا لشخصه ومشاعره وفكره . هل يقصد منيف أن الثورة تبدأ بفهمنا لجهل الجلاد والقدرة على المسامحة والتصالح حتى نصل لثورة حقيقية ؟ كوننا بحقدنا وبعدم نسياننا للماضي سنصبح اسوأ منهم في يوم قد يكون لنا؟ يأتي مع ذلك موقف للحزب الذي ينتمي له عادل الخالدي الذي ناقشهم وحاورهم لتغيير مسار الحزب الذي لا ينفك عن الاختلاف والتفرقة وما كان منهم إلا أنهم تخلوا عنه وحاربوه.
الخلافات بين الاحزاب والتسلق لسلم المنصب والسلطة يدمرنا اولا ويدمر البلاد ، لم أجد وصفا دقيقا وحقيقيا لمشاعر المواطن العربي المغترب في بلاده كوصف منيف مشاعر عادل الخالدي اتجاه مدينته عمورية ، أكثر ما عجبني في الرواية.
"أنا على يقين كامل أن عدداً كبيراً من الجلادين هم أيضاً ضحايا . لا أتحدث هنا عن المرضى ، والمعطوبين ، أو من لهم مصلحة ، ولكني أتحدث عن الإنسان الموجود في داخل كل جلاد ، وكيف استطاعت حالة القمع التي أريد لها أن تنتشر وتعمم ، جعلت هذا الإنسان الموجود في الداخل يغفو أو يصم أذنيه ، وبمرور الوقت خُدر أو أصبح عاجزاً عن المقاومة"
"المشكلة يا صديقي، بدأت حين ارتضينا، وخلال فترة طويلة أن نكون مجرد محرّضين على العنف من أيّة جهة جاء، وتجاه أي كان. فعندما ضُرِب غيرنا، وكنا نعتبرهم آنذاك خصومنا، احمرّت أيدينا لكثرة التصفيق، وبُحّت أصواتنا من مظاهرات التأييج، ولم نترك حائطًا إلا وجعلناه سجلًا لأمجادنا وتاريخنا، وأيضًا سجلًا لأمجاد الطغاة! أما عندما بدأ ضربنا فقد تخلّى النّاس عنا، لأننا تخلّينا، من قبل، عن النّاس، وتوارى قادتنا، سافروا، وتُرك الصغار لكي يسدّدوا الفواتير المُستحقّة، تمامًا كما يُترك الخدم بعد انتهاء الحفلة من أجل جمع البقايا والنفايات."
الرواية ما انتهت وما زالت ممتدة ، من بداية الثورة السورية خرجت قصص وشهادات معتقلين لم أتخيل يومها القسوة والألم ـ تلك الشهادات ليست للشفقة او لنحمد الله أننا لسنا مكانهم وليست أيضا لنخاف أكثر ، بل من أجل أن نغير ونعرف الحقيقة ونسعى لهدم تلك السجون العبارة المقتبسة فوق هي لنعرف أننا سنؤكل عندما يؤكل الثور الابيض.
طبعا مش بس سجون النظام البعثي في سوريا بل في كل الوطن العربي حتى عندنا في فلسطين غير سجون الاحتلال ! هذه مشكلة الأحزاب جميعها انت مش معي انت كافر ما تعودنا أن نعيش في جو حرية وتبادل اللآراء نحن لا نفهم الحرية ولذلك يقول يجب أن نؤمن بالحرية لأنفسنا ولناس ، حتى نمارسها.
الجميل في الرواية أنها لا تجري على مسار واحد مظلم بل يعرض لنا العلاقات الانسانية والمشاعر الانسانية الراقية المليئة بالحب والعطف بين طالع العريفي وعادل الخالدي ومن معهم من العاملين في المشفى ، جميل هو عبد الرحمن منيف سأقرأه أكثر.