عبدالرحمن منيف يؤرخ بالرواية لفترة لم تعشها ولم تتعرف على تفاصيلها أجيال مابعد الطفرة، يتحدث عن قصة تغيير خارطة حياة كاملة عرفها البدو قبل ظهور البترول، قصة ظهرت فيها الوحوش الصفراء على أنقاض البيوت والمزارع.
الشركة تظهر للوجود مع اكتشاف ذهب البدو الأسود، تستخدم هؤلاء البدو في التنقيب وحفر آبار البترول في ظروف معيشية من أسوأ مايكون، جهل تام للعمال أصحاب الأرض بما تحت أقدامهم من ثروة، شخصيات كثيرة تصنع أحداث الرواية، لكل شخصية حيزها وتفاصيلها الخاصة التي تجعلك تحفظها في الذاكرة وكأنها شخصية البطل الرئيسي الأوحد.
عبدالرحمن منيف نقل تلك الفترة بحرفية بالغة، الأجيال الأولى التي بدأت العمل في أرامكو تحت إدارة أمريكية تسميها مثل أبطال منيف (الشركة) لأنه ببساطة لايوجد غيرها ذلك الوقت، يتحدثون عن ساعات العمل الطويلة تحت الشمس في ظل قبعات العمل الحديدية، واللهجة الأمريكية -الدرامية- المؤثر الصوتي المرافق لضجيج آلات التنقيب.
الرواية ترصد بداية التغييرات وتدرجها على البشر والحجر، التخلي عن الملابس العربية التي تعيق العمل، بيع العمال لمطاياهم، ترك الخيام والعيش في علب البركسات الحديدية، سفينة الغواية تطلّ على الشاطئ في فجيعة حضارية لم يفكر ذو العيون الزرقاء في تأثيرها على أصحاب الأرض ، قلب الأمير أخّضر أكثر مما يجب ونسيّ هموم مواطنيه بإعتبار أن الحكومة أصبحت المسؤولة عن تسيير أمور البدو، يلهو بالمنظار ثم الراديو والهاتف بانبهار يجعله حبيس دار الإمارة.
تنبؤات على لسان شخصيات منيف تعبّر عن مخاوف البدو بعد قدوم العفاريت -الأمريكيون- لبلادهم، سلطة المال والحكم ونشأتها الأولى تغزو تلقائية حياة البدو، يظهر السجن كعلامة من علامات التمدن ومفضي الجدعان أول الزائرين.
فهمت أصل الفكرة المسبقة السائدة عن عرب الخليج -بدو وثروة- شاهدت لقاء سابق لأسامة الرحباني تحدث فيه عن عدمية ثقافة الخليج الموسيقية وأرفقها بشيء من -بدو وثروة- ، فكرة نمطية أظنها بحاجة لتحديث في أذهان من يحملون الرؤوس المتورّمة ثقافياً.
سعيدة بترجمة هذه الرواية وتقديمها كملحمة عربية خالصة توازي أعمال أدبية مهمة على مستوى العالم، أدرك المتعة في الغرق في محلية البلدان القصية والتعرف عليها بلا رتوش ، كزيارة خاطفة لعقول الصينين مع مو يان وذرته الرفيعة الحمراء مثلاً، عبدالرحمن منيف يملأ هذا المكان بجدارة لأنه ارتبط بالأرض والإنسان أكثر من أي شيء آخر.
http://m.****
الرابط لحلقة خاصة من روافد تأبين للراحل عبدالرحمن منيف عرض فيها لقاء سابق له، قناة سعودية للثقافة عرضت لقاء مع صديق للكاتب، كانت الحلقة مقدمة على استحياء من فكر وأدب منيف والصديق أيضاً مال للجانب الشخصي والعائلي للكاتب بشكل لا أظنه راق لعائلته.