كُتبت هذه الرواية في التسعينات وبقيت حبيسة الأدراج لعشرين سنة بسبب تخوّف المؤلف من الوقع الذي ستحدثه. يصفها عبد الله الغذامي بالرواية التي تتكلم في "المسكوت عنه" لكن كل هذه الحقائق لا تنفي أنها رواية تنتمي لذلك الزمن بجدارة سواء في الهم الذي تتناوله أو في المسكوت عنه الذي تصرح به. مع أن ذلك لم يعق حصولها على جائزة وزارة الثقافة للعام 2012!
من جهة، تعتبر الرواية ممتازة لجهة استحضارها أجواء رياض التسعينات عشية حرب الكويت. سعد الدوسري أبدع في تجسيد أجواء الاختناق وفي نقل دخان الخوف المعلق في هواء الرياض حينها إلى دواخل أرواحنا. كما أنه أجاد في تصوير حالة الصدام والتخبط التي عاشها المجتمع مع ذاته إبان تلك الأزمة الصاعقة. اللغة راقية ومتماسكة تتداخل فيها الشعرية بالسرد وبفنون كتابية أخرى. الدوسري متمكن تماماً من لغته ومن بنيته الروائية على نحو افتقدناه كثيراً. بشكل ما تمثل هذه الرواية قيمة فارقة وناضجة في المشهد السردي المحلي.
ويخطئ من يظن بأن هذه الرواية تستند في جوهرها على حدث (مظاهرة النساء) التي وقعت في نوفمبر 90. صحيح أن الرواية تعنون لذاتها بذلك الشهر الساخن، لكنها في مادتها تتكيء على الحدث وحسب لتخلق شخصيات مرتبطة به وبعيدة عنه، سعودية وغير ذلك، تجمعها كلها مشاعر الصدمة والخوف من القادم والرغبة الملحة في الحراك التي أوجدتها الحرب.
(الرياض نوفمبر 90) تتناول في عمقها أزمة المثقف السعودي خلال تلك الفترة. والذي ألفى نفسه كاليتيم وقد انهارت مقومات طرحه القومية أو اليسارية بغتة وألفى نفسه فوق ذلك كله بلا أي سند شعبي بل ومنبوذاً من قبل تيار متطرف اشتدت شوكته كثيراً بفعل إرهاصات الأزمة. ذلك المثقف المتضارب مع ذاته بفعل تأهيله العلمي من جهة، ومناوءة طرحه للقيمة الإمبريالية من جهة أخرى، وقع في أزمة ثقة عويصة. فهو الآن وطبول الحرب تقرع ليس له صوت ولا قيمة حقيقية في مجتمعه. ليس له رصيد شعبي يذكر فلا أحد يسمع له، ولا هو مقتنع بذاته. إنه مشلول بانتظار ما ستتمخض عنه الأحداث. وحين يجرب هذا الفصيل المثقف أن يقوم بـ "حركة" ما، ممثلة في مظاهرة السيارات، يكتشف أنه قد أخطأ الحسبة جداً وأنه قد استجلب نقمة الجميع. يكتشف أنه وحيد بشكل مريع في مواجهة داخله فتزداد غربته ويزداد خوفه تحت ظل الحرب المرتقبة.
بشكل ما، تكشف الرواية قدر هشاشة الطرح الليبرالي/الحداثي في تلك الفترة. إننا نسمع اليوم وبعد عقدين من تلك الأحداث المحافظين يسخرون من أندادهم ويصفون خطابهم بأنه لا يستند إلا على المطالبة بتحرير المرأة. ورواية (الرياض نوفمبر 90) تكاد تكرس لهذا الزعم بتناولها لهموم شخصياتها. تلك كلها كانت أموراً "مسكوتاً عنها" لحد كبير آنذاك. وحين نقارن تلك الهموم بما يتم طرحه اليوم علانية بخصوص الحريات الحقوقية والسياسية ودعاوى الإصلاح وهموم المواطن الملحة بخصوص التوزيع العادل للثروة وشروط التنمية مثلاً، فإننا سنكتشف كم تجاوز الشارع خطاب مثقف التسعينات.. وسنكتشف أن مثقف التسعينات ذاك كان إما مغيباً عن هم الشارع، أو سابقاً لزمانه بشكل غيّبه عن خارطة الشارع. وتلك هي القيمة الكبرى التي تقدمها لنا الرواية حين نقرأها بعد عشرين عاماً من تأليفها.