#طفل_الممحاة
- الكتاب الذي غرق في زحمة الكتب على الرف الكبير منذ سنة ربما أو يزيد، تململ في مكانه، تحرش بي عندما لمحت اسمه على لائحة قراءات مجموعة حراء ليكون كتابي التالي.
بدأت بالقراءة، فالكتاب جزء من الملهاة التي أبدع نصر الله نسجها. بدأت القراءة دون تردد لأنهي الكتاب في يومين.
يومان صعدت بهما ونزلت وركضت وهرولت ومشيت وصرخت وضحكت وبكيت وصمت وتألمت وشردت وأخذت تماماً في حالة من الذهول تأسرني بها الكتب المبهرة جداً، والقليلة جداً.
ليس لأنني مؤمنة بالقضية الفلسطينية إلى أبعد حد، ليس لأنها قضيتي فحسب. بل انها قضية تستحق أن تتواجد في كل مكان. وأن تكتب في كل مكان حتى بين النجوم التي تلتمع في أعالي السماء.
تحدثت الرواية عن جندي عربي، شاب خرج من أسرة بسيطة جداً إلى المعكسر، ليصقل رجولته هناك ويبزغ فيه حس التأهب والدفاع والقتال. دون أن يدرك تماماً ما الذي يقاتل من اجله ومن هم أولئك الذين يدافع عنهم.
في خضم كل هذا الجهل والزيف يكبر الشاب. ويخرج في رحلة مختلفة إلى أرض فلسطين ليكون واحداً من أفراد جيوش الانقاذ تلك التي هبت للقتال في فلسطين إبان نكبة عام 1948 دون أن تقاتل فعلاً.
تحدث الكاتب بألم ممزوج بالسخرية أو ربما سخرية يتخللها ألم، تحدث عن الكذب العربي الكبير الذي بثته الإذاعات العربية وهي تحتفل بنصرها المؤزر. النصر الذي كلف السكان الفلسطينيين أرضهم وبيوتهم وحيواتهم وأبناءهم.
وصف نصر الله الموت بهيبة مفجعة، حتى كدت أشعر أن رائحة الموتى تتسرب إلى أنفي من بين الصفحات. مجازر كثيرة وشهداء هناك وهنا. الموت المحيط ليس بالبطل فحسب بل بكل شخص عاش وعايش تلك الحرب وذلك الزمان.
ومما جذبني أيضاً، أن نصر الله تحدث بشفافية واضحة عن واقع ذلك الشاب - البطل كما يزهو بنفسه. إذ أن أسرته أرسلته إلى المعسكر لتحميه من ثأر قديم. كتب نصر الله ذلك ليصف حقيقة يخفيها الكثيرون تحت البزات العسكرية أو لقب الشهادة. الواقع المرير الذي يدفع بالكثير من أبنائنا وشبابنا إلى الموت تحت مسمى الدفاع عن الوطن. الوطن الذي يموت بعضهم لا من أجله بل من أجل المرارة التي حملهم إياها في جوفهم ليهربوا من الحياة فيه إلى الموت من أجله!
قصة رائعة باختصار. تعجبني جداً انتقاءات الكاتب لشخصياته. لأنه في كل مرة يدخلنا إلى عمق تلك الشخصية. الشخصية التي ينظر الكثيرون إليها باحتقار على أرض الواقع دون أن يفهموا تماماً ما يدور بجوفها.
لم تكن شخصية العريف فؤاد وحدها التي شدتني إلى داخلها هذا, بل ايضاً شخصية المجند يعقوب والكولونيل وأسعد بيك والخال.
الثنائية المتضادة التي جمعها في نفسه المجند يعقوب، بعد أن اعتاد خطف الهتافين في المظاهرات ليجد نفسه في نهاية الأمر ينساق إليهم ويندفع نحو مطالبهم ومشاعرهم ويرأف بهم حين يرق قلبه من أجل الشعب والوطن.
وصف نصر الله بعبقرية أدبية فذة حال المجتمعات العربية ليس إبان الحرب العالمية الثانية فحسب وإنما حتى اليوم، مجتمعات لا يمكننا إلا أن نصفها بالمثل الشعبي القائل "حاميها حراميها".
- عدا عن القصية الرائعة، والشخصيات المنتقاة بعناية، والأحداث التاريخية والواقعية الدقيقة، فأسلوب نصر الله مميز جداً وجميل. طريقة وصفه وكتابته للأحداث، لغته، واعتماده السرد بأسلوب الخطاب دون أن يفهم القاريء تماماً من هو هذا الذي يخاطب البطل.
- في النهاية، أربكتني النهاية، قلبت الصفحة مرتين لأتأكد ما إذا كانت الرواية قد انتهت ها هنا، لم أجد سوى صفحة بيضاء فارغة. وكأن الكتاب يقول لك لا توجد نهاية لكل هذا الفراغ سوى المزيد من الفراغ في واقع مرير ممتد لا يقبل أي تغيير. ولا يتلقى سوى الهزائم!
مرة أخرى، أقف منبهرةً أمام الكاتب العظيم ابراهيم نصرالله، متساءلةً من جديد "هل أبكاه الوجع وأوجعته فلسطينيته، حد اللهو بمأساتنا؟!"
#أنصح_بقراءتها_بشدة
#ميسم_عرار
3 - فبراير - 2015